تيار المستقبل وقوى 14 آذار في مواجهة المتغيرات: بين خياري التصعيد والتفاوض؟

يمرّ «تيار المستقبل» وقوى 14 آذار في هذه الأيام في مرحلة حرجة ودقيقة في ظل المتغيرات الداخلية والخارجية المتسارعة التي تفرض عليهم اتباع سياسات واضحة ومحددة لكي لا تزداد الخسائر السياسية والشعبية.

فمنذ تشكيل «حكومة المصلحة الوطنية» وبدء المفاوضات بين «تيار المستقبل» و«التيار الوطني الحر»، بدأت قوى 14 آذار تشهد نقاشات داخلية حول جدوى هذا الاتجاه ومدى الفائدة منه وانعكاس ذلك على الوضع الداخلي والشعبي لهذه القوى.

ورغم تبني «قوى 14 آذار» للدكتور سمير جعجع مرشحاً وحيداً للانتخابات الرئاسية من أجل الحفاظ على تماسكها ووحدتها، وتمهيداً لخوض مفاوضات جدية بشأن المرشح التوافقي، فإن عدم حصول الانتخابات ودخول البلاد في «الشغور والفراغ الرئاسي» وتسلم الحكومة لإدارة شؤون البلاد أدت الى زيادة الخلافات بين بعض هذه القوى، وخصوصاً لجهة دور رئاسة الحكومة ومجلس الوزراء والموقف من كيفية إدارة المرحلة الانتقالية.

وزاد من إرباك «تيار المستقبل» و«قوى 14 آذار» التطورات السورية، وخصوصاً إجراء الانتخابات الرئاسية السورية ومشاركة عدد كبير من اللاجئين والنازحين السوريين الى لبنان في هذه الانتخابات، ما دفع بعض أركانها إلى الدعوة لترحيل هؤلاء، وعمد وزير الداخلية نهاد المشنوق إلى اتخاذ إجراءات سريعة لمنع هؤلاء من الانتخاب داخل الأراضي السورية، وإلا يتم سحب صفة النزوح أو اللجوء عنهم وحرمانهم بعض المخصصات.

وإزاء ذلك برزت بعض النقاشات والحوارات داخل قوى 14 آذار، فبعض أركان هذه القوى يدعو إلى التصعيد واتخاذ مواقف واضحة إزاء ما يجري وعدم انتظار المتغيرات، في حين ان البعض الآخر يطالب بانتظار ما ستؤول إليه المفاوضات الإيرانية – السعودية والإيرانية – الأميركية – الدولية وكذلك الموقف من الحوار بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر.

فما هي أبرز التحديات التي تواجهها قوى 14 آذار اليوم؟ وهل لدى هذه القوى خيارات متعددة أم أنها محكومة بالمتغيرات الحاصلة وانتظار نتائج ما يجري حولها من تطورات وأوضاع سياسية؟

التحديات التي تواجه «قوى 14 آذار»

بداية ما هي أبرز التحديات التي تواجهها قوى «14 آذار» اليوم في ظل المتغيرات الداخلية والخارجية؟

في السنوات التسع الماضية، أي منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كانت قوى 14 آذار تعتمد على عدة نقاط أساسية من أجل خوض معاركها السياسية والشعبية، ومنها أولاً الحملة على حزب الله وسلاحه، وثانياً مواجهة النظام السوري سواء قبل انسحابه من لبنان أو بعد الانسحاب، وصولاً الى ما بعد انطلاقة الثورة السورية والرهان على سقوط هذا النظام، وثالثاً الحملة على التيار الوطني الحر ودور العماد ميشال عون، ولا سيما بعد تحالف عون مع حزب الله، رابعاً ملف المحكمة الدولية وقضية اغتيال الرئيس الحريري.

وقد نجحت «قوى 14 آذار» عامة و«تيار المستقبل» خاصة في تأمين حاضنة شعبية كبيرة خلال السنوات التسع الماضية، وقد أسهم الدعم الشعبي بحصولها على قوة نيابية كبيرة وكذلك تشكيل العديد من الحكومات في مرحلة ما بعد اغتيال الحريري (باستثناء حكومة الرئيس نجيب ميقاتي)، وإن كانت هاتان الحكومتان قد حرصتا على تلبية العديد من مطالب قوى 14 آذار، إن لجهة الموقف من المحكمة الدولية أو بشأن بعض المواقع الإدارية أو أمور أخرى.

لكن التطورات السياسية الداخلية والخارجية ولا سيما بعد اندلاع الأزمة السورية وانتقال الصراع الأمني الى الأراضي اللبنانية والخوف من انهيار الوضع اللبناني، أدت الى موافقة «تيار المستقبل وبعض قوى 14 آذار (باستثناء القوات اللبنانية) على صفقة العودة لتشكيل حكومة المصلحة الوطنية برئاسة تمام سلام وبمشاركة حزب الله والتيار الوطني الحر، رغم عدم انسحاب حزب الله من سوريا وبقاء الحزب على سلاحه (وكان ذلك بدعم سعودي – إيراني – فرنسي – أميركي – دولي)، كذلك بدأت مفاوضات مكثفة بين «تيار المستقبل» والتيار الوطني الحر حول الانتخابات الرئاسية وامكان تبني العماد ميشال عون مرشحاً توافقياً للرئاسة، ما يمهد لعودة الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة.

أما على صعيد الوضع السوري، فلا تزال الأوضاع على ما هي عليه. فالنظام السوري لم يسقط، والمعارضة لم تنتصر أو تتراجع، وقد تراجعت حدة الحملة التي تبنتها «قوى 14 آذار» حول اسقاط النظام السوري. واما على الصعيد اللبناني فقد أصبحت الأولوية لكيفية إدارة المرحلة الانتقالية بانتظار حصول الانتخابات الرئاسية، ما أدى إلى بروز خلافات ووجهات نظر متعددة بين فريق الرئيس تمام سلام ووزراء تيار المستقبل من جهة، وبقية قوى 14 آذار من جهة أخرى، رغم حرص الجميع على إدارة الخلاف بطريقة ايجابية.

بين خياري التصعيد والتفاوض

في ظل هذه المتغيرات الداخلية والخارجية هل تتجه قوى 14 آذار للتصعيد أم انها ستضطر إلى الدخول في مفاوضات مع بقية قوى 8 آذار بالتوازي مع مفاوضات «تيار المستقبل» مع التيار الوطني الحر، أم لديها خيارات أخرى؟

تشير بعض المصادر المطلعة على الأجواء الداخلية لقوى 14 آذار إلى ان هناك وجهتي نظر داخل هذه القوى: الأولى تدعو الى التصعيد ووقف التفاوض بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر والدعوة إلى القيام بتحركات شعبية من أجل الإسراع في إجراء انتخابات رئاسية، والعودة الى اعتماد لغة التصعيد السياسية والإعلامية ضد حزب الله ورفض منطق ان الحزب والقوى التي تدعمه قد انتصرت في الصراع الدائر في المنطقة، بل اعتبار ان الحزب سيكون الخاسر الأكبر مما يجري وخصوصاً إذا حصل اتفاق إيراني – أميركي – دولي أو إيراني – سعودي.

واما وجهة النظر الأخرى، فهي تدعو الى الذهاب نحو التفاوض الشامل مع قوى 8 آذار، وعدم انتظار نتائج المفاوضات بين تيار المستقبل والتيار العوني أو ما يجري من تطورات في المنطقة.

ويبدو أن أصحاب الرأي الثاني هم أقلية داخل قوى 14 آذار، ولذا سيكون هناك صعوبة باعتماد هذا الرأي. اما التوجه نحو التصعيد، فأمامه صعوبات ميدانية وعملية في ظل وجود حكومة المصلحة الوطنية ورغبة الجميع داخلياً وخارجياً في عدم التصعيد السياسي والأمني.

لذا، ستبقى «قوى14 آذار» في دائرة انتظار ما سيحصل، إن على صعيد المفاوضات بين «تيار المستقبل» و«التيار الوطني الحر»، أو لجهة ما يجري من تطورات إقليمية أو دولية، ولكن كل ذلك سيسهم في تراجع دور هذه القوى سياسياً وشعبياً، ما قد ينعكس سلباً على موقعها وقوتها في الانتخابات النيابية المقبلة، وهذا ما تراهن عليه بعض قوى 8 آذار، مع العلم ان بعض قيادات قوى 8 آذار تتحدث عن احتمال حصول الانتخابات النيابية قبل الانتخابات الرئاسية، خصوصاً إذا لم يحصل اتفاق على المرشح التوافقي لرئاسة الجمهورية وهذا أمر صعب حتى الآن.

إذاً، «قوى 14 آذار» أمام تحديات صعبة لكن المشكلة انها غير قادرة على تحديد رؤية واضحة في كيفية التعاطي مع هذه التحديات.

 

 

السابق
تلوث الليطاني في اليوم العالمي للبيئة
التالي
المحكمة الخاصة بلبنان حددت 18 الحالي