عربي متمسّك بالتبعية وعربي غاضب وثائر وعربي محبط

الشارع العربي
المطلوب الآن من كل من يدّعي أنّه ثائر وطامح نحو التغيير أن يعترفوا بخسارة المعركة الأولى وأن يقيّموا المرحلة الّتي مضت لكي يستطيعوا أن يواجهوا المرّة القادمة بأسلحة أكثر متانة، أن يتخبّطوا في الأسئلة وأن يعرفوا ماذا يريدون لغدهم. المسألة الّتي يحب أن يدركها الإنسان العربي هي أنّه لا يكفي أن تكون "ضد" أمرٍ ما فقط، سواء كان دكتاتورية أو ظلم أو فقر، يجب أن تعرف من الجهة الأخرى أنت "مع" ماذا وأن تخطط للعبور إليه.

المطلوب الآن من كل من يدّعي أنّه ثائر وطامح نحو التغيير أن يعترفوا بخسارة المعركة الأولى وأن يقيّموا المرحلة الّتي مضت لكي يستطيعوا أن يواجهوا المرّة القادمة بأسلحة أكثر متانة، أن يتخبّطوا في الأسئلة وأن يعرفوا ماذا يريدون لغدهم. المسألة الّتي يحب أن يدركها الإنسان العربي هي أنّه لا يكفي أن تكون “ضد” أمرٍ ما فقط، سواء كان دكتاتورية أو ظلم أو فقر، يجب أن تعرف من الجهة الأخرى أنت “مع” ماذا وأن تخطط للعبور إليه.

تنصرف الأحاديث الدائرة اليوم في العالم العربي بمعظمها إلى نتائج الانتخابات في سوريا ومصر ومدى شرعية انتخابات كهذه. وتتراوح الألفاظ بين الشتائم الموجّهة إلى الرؤساء المنتخبين والأنظمة الّتي تدعمهم وقصور الأنظمة والدول الأخرى الداعمة للقوى المعارضة. في الكواليس وبين عامة الناس وعلى شاشات التلفزيونات الّتي تعجّ بالمحلّلين السياسيين، تتكرّر الأسطوانات نفسها: “هذا الزعيم المنتخب على دماء شعبه وذاك العسكري الّذي استغلّ الثورة”.

الاسد و السيسي
في مصر، البعض يترحّم على زمن الإخوان، وفي سوريا، يعود التنديد بالدكتاتور الّذي شرّد شعبه وقتله ولم يترك الكرسي. كلّ هذه الوقائع والتنديدات والاعتراضات وكل هذا الاستياء أمور مشروعة. من الطبيعي أن ينظر “العربي الغاضب” حوله ويشعر بأنّ ما يحدث خارج نطاق المنطق. من الطبيعي أن يضرب يده بالحائط وأن يشتم ومن الطبيعي أن نجد شريحة كبيرة من العرب الّذين لا زالوا يمجّدون الديكتاتوريات ويهتفون لها.
خطورة المشهد الإقليمي الحالي أكثر تعبيراً في رمزيتها من اشتعال الثورات. لقد امتلأ الثوار ومناصروهم خلال شرارة الثورات الأولى بالفخر والسعادة وراحوا أيضاً يطبّلون ويزمّرون ويهتفون. وكانت أيضاً تلك لحظة مشروعة ولحظة حميمة جميلة. ولكن لم ننتبه إلى أنّ تلك اللّحظة كانت مجرّد بداية. فمن ظنّ أنّ مشهد الثورات العربية يكتمل في ذروته الأولى هو تماماً كمن يظنّ أنّ الخاتمة في نتائج انتخابات اليوم والهمروجة الّتي ترافقها.

الثورات العربية
ما فعلته الثورات العربية هو أنّها كشفت كم أنّ الفساد في مجتمعاتنا عميق وأنّ الانقسامات السخيفة مسيطرة على كيانات الدول العربية الهشّة. كشفت أيضاً كم أنّنا رهينة معادلات إقليمية وكم أنّ الإناء الفكري العربي فارغ وسطحي. يكفي أن نلقي نظرة على صحفنا اليومية لنرى المعالجة السطحية للمشاكل الّتي تطوّقنا ولنرى كيف أنّ التحليلات لا تخرج من نطاق المحسوبيات السياسية الضيّقة.
يكفي أن نبحث عن مراكز دراسات جديّة في الشرق الأوسط فلا نجد إلّا قلّة منها (معظمها مموّلة من جهات مانحة غربية) لنرى أنّ استثماراتنا لا تتخطّى مصانع التبغ والمطاعم والمقاهي والبترول والأماكن السياحية. لقد كشفت مرحلة ما بعد “شرارة الثورات” عن ثلاث فئات من الإنسان العربي: العربي المتمسّك بالتبعية والعربي الغاضب الّذي يريد كلّ شيء دفعة واحدة والعربي المحبط الّذي لا أمل له بالتغيير.
الحوار الّذي نعيد إنتاجه اليوم بعد مرور أكثر من ثلاثة أعوام على الثورات لا زال يدور حول الأشخاص والرموز وإن كان متعلّقاً بإزاحتهم أو الرغبة بإبقائهم. لم يتطوّر خطاب ما بعد الثورات إلى مرحلة البحث عن مشروع وطني ومشروع تنموي ومشروع إنساني أو حتّى لينتج قوى جديدة. القوى الوحيدة الّتي ظهرت كانت على أشكال المعارضة السورية الّتي باتت الآن مذنبة، مذنبة لأنّها في قصور تجاه الشعب الّذي خرج لينادي بالحرية.

 المعارضة السورية
خطورة مشهد المعارضة السورية وفقده للسعي الدؤوب نحو استقطاب الرأي العام ولومه الغرب فقط على تقصيره في مساعدة الشعوب أمر بالغ السوء. المسألة هنا ليست لوماً عشوائياً من دون فهم النقص في الإمكانيات للمعارضين السوريين فهذا أمر موجود ولكنّه لا يبرّر الفشل. وإن برّر الفشل، لا يجوز أن يبرّر استمرارية الفشل سواء في سوريا أو مصر أو الدول المعنية الأخرى. الأمر الّذي لم يعد مقبولاً ولا طبيعياً هو أن تبقى الخطابات نفسها وأن نبقى رهينة أحداث اللّحظة وألّا نحاول قراءة المستقبل أو تلمّس ملامحه في غير توقّعات العرافات والمنجّمين. المطلوب الآن من كل من يدّعي أنّه ثائر وطامح نحو التغيير أن يعترفوا بخسارة المعركة الأولى وأن يقيّموا المرحلة الّتي مضت لكي يستطيعوا أن يواجهوا المرّة القادمة بأسلحة أكثر متانة، أن يتخبّطوا في الأسئلة وأن يعرفوا ماذا يريدون لغدهم. المسألة الّتي يحب أن يدركها الإنسان العربي هي أنّه لا يكفي أن تكون “ضد” أمرٍ ما فقط، سواء كان دكتاتورية أو ظلم أو فقر، يجب أن تعرف من الجهة الأخرى أنت “مع” ماذا وأن تخطط للعبور إليه. لنتوقّف عن النظر في نتائج الانتخابات، قد تكون مسألة ثانوية جداً إن فكرنا “ماذا بعد الانتخابات”؟

السابق
من مركز الخيام الى مجلس حقوق الانسان: الاعتقال الاداري جريمة دولية
التالي
إسرائيل تشعر بالخيانة جراء قرار واشنطن العمل مع الحكومة الفلسطينية