المواطن السوري بين وحشية الأسد ووحشية الحرب

– I –

ثمة حقيقة ليس في وسع لا المعارضة السورية ولا خصوم النظام السوري القفز فوقها: صحيح أن الانتخابات الرئاسية “التعددية” كانت “عاراً” ديمقراطياً وأخلاقيا، لكنها في الوقت نفسه كشفت عن مأزق الخيارات المخيفة الذي يعيشها 22 مليون سوري بين وحشية الأسد أو وحشية الحرب الأهلية. بين الأمن داخل قفص الديكتاتورية الأمنية والعسكرية، وبين غابة اللاأمن خارج القفص.
هذا مادفع العديد من السوريين إلى الاقتراع لصالح تمديد رئاسة الأسد كي تصل إلى 21 سنة متصلة، إضافة بالطبع إلى اقتراع الأقليات العلوية والمسيحية له، التي تؤمن  بالفعل أن نظام الأسد هو ضمانتها في صراع البقاء الجديد.
أجل. النظام مارس التهديد والوعيد لحمل الناخبين إلى صناديق الاقتراع، إما عبر الترويج بأن من يرفض الانتخاب سيخسر وظيفته العامة أو حياته الخاصة. لكن أجل أيضا: كثرة من السوريين التي وقفت بقوة إلى جانب الانتفاضة قبل ثلاث سنوات، ربما باتت مستعدة الآن لقبول بقاء عائلة الأسد في السلطة، إذا ماكان ذلك سيعني انتهاء مأساة التهجير والقتل والتدمير.
ومن يستطيع أن يلوم المواطن السوري إن هو انحاز إلى هذا الخيار، فيما هو يرى بدائل النظام إما في داعش أو النصرة اللتين فتحتا على حسابهما حربهما الاهلية الخاصة، أو في معارضة إسلامية مسلحة “معتدلة” تعتاش على التنفس الاصطناعي المالي الخليجي، أو في معارضة سياسية خارجية “تعاني” التشرد في فنادق الخمسة نجوم في أوروبا وتركيا.
من يستطيع أن يلوم هذا المواطن، وهو يرى المجتمع الدولي وقد أدار ظهره لأخطر مأساة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية (وفق توصيف الأمم المتحدة)، على رغم الأسلحة الكيميائية، والبراميل المتفجرة، والتدمير المنهجي لأكثر من نصف البنيان السوري ومعه أكثر من مليون قتيل وجريح؟
“نظرية المؤامرة” المنتشرة على نطاق واسع الآن تقول ن إدارة أوباما تراجعت عن كل خطوطها الحمر في سورية، ليس لأنها لاتريد الانجرار إلى حروب جديدة في العالم الإسلامي، كما تقول، فيما هي تنسحب من أفغانستان وقبله العراق، بل بالدرجة الأولى لأن إسرائيل لاتزال تتمسك بما أعلنه رامي مخلوف منذ بداية الحرب الاهلية: “أمن إسرائيل من أمن النظام السوري الحالي”.
لكن، وحتى لو كانت نظرية المؤامرة هذه غير صحيحة، إلا أن الوقائع تشير إلى أن الولايات المتحدة وبقية السرب الغربي “اقترعت” هي الأخرى إلى جانب خيار إشاحة النظر عن المأساة السورية المروعة، والتركيز بدلاً من ذلك على الأرباح الاستراتيجية التي قد تحصدها في حال استمرت الحرب، أو بالأحرى، الحروب الداخلية وحروب الآخرين على الأرض السورية.
كيف ؟
– II –
الإجابة تكمن في معادلة بسيطة: كل شهر يمر في هذه الحرب، يكلّف إيران ما بين 600 مليون إلى مليار دولار شهرياً (طهران تدفع رواتب كل موظفي الدولة السورية). وإذا ما أضفنا إلى ذلك التمويل الإيراني الكثيف لمقاتلي حزب الله اللبناني في سورية (خمسة آلاف كما يشاع) وميليشيات أبو الفضل العباس الشيعية العراقية والعناصر الشيعية الباكستانية(عشرة آلاف كما يقال)، فإن الكلفة الإيرانية السنوية قد تصل بالفعل إلى مايتراوح بين 15 إلى 20 مليار دولار. وهذا استنزاف مريع لبلد مثل إيران يعاني شبابه من 30 بالمئة من البطالة، فيما40 في المئة من السكان تحت خط الفقر ويحتاجون الدعم الحكومي المباشر في طعامهم اليومي. ولذلك، لم يكن غريباً أن يصف الغربيون حرب سورية بأنها “فيتنام أو أفغانستان الإيرانية”.
إلى جانب إيران، هناك الورطة الروسية، الأخلاقية والدبلوماسية والمالية بل وحتى الاستراتيجية، في سورية. فموسكو تخسر كل يوم من رصيدها المعنوي العالمي، الذي راكمه الاتحاد السوفييتي السابق على مدى 70 عاماً بوصفه الأخ الحاني على العالم الثالث. وعلى رغم أن الرئيس بوتين يستمتع الآن بكونه لاعباً كبيراً على الشواطيء المتوسطية الدافئة بعد غياب روسي دام نيفاً وربع قرن، إلا أن الرضى الذاتي هو في الواقع وهم ذاتي، لأنه حتى لو بقي حليفه الأسد في السلطة، إلا أنه لن يبق هناك شيء اسمه سورية كدولة يرتع فيها النفوذ الروسي. لن يكون هناك سوى ملايين الأفواه الجائعة وملايين أخرى من المنازل والمدارس والمستشفيات والبنى التحتية التي ستحتاج إلى مئات مليارات الدولارات لإعادة بنائها.
ثم هناك أيضاً إسرائيل، التي تفيق كل صباح لترك يديها فرحاً وهي ترى سورية، ومعها “التوازن الاستراتيجي” الذي سعى إليه الرئيس حافظ الأسد يتمزقان إلى أشلاء، فيما خصمها حزب الله يغرق أكثر فأكثر في وحول مستنقعات ليس لها قرار.
– III –
لاأحد، إذا، في الغرب على عجلة من أمره لإنهاء المأساة السورية المروعة. لكن لا أحد أيضاً (غير ربما الرئيس الأسد نفسه وحاشيته) يعتقد أن الرئيس السوري في وسعه، بسبب، ذلك استعادة السيطرة على البلاد أو إعادة بناء نظامه حتى ولو معدلا. فالنظام انتهى منذ أمد غير قصير. وأنانيب التنفس الاصطناعي التي يمده بها النظام الإيراني، عرضة في أي لحظة إلى السحب، إما بفعل صفقة سرية أميركية- إيرانية، أو لأن إيران ستكون عما قريب بين خيار وقف دعم الأـسد (أو حتى ربما إغتياله) أو إفلاسها هي.
صور الأسد وقرينته أسمى، وهما يبتسمان خلال الاقتراع، ربما تعكس موازين القوى الراهنة في سورية بعد المكاسب على الأرض التي حققها النظام وحلفاؤه الإيرانيون. لكن هذه بالتأكيد ستكون لحظة عابرة. فالآتي بعد التمديد للأسد سيكون أعظم، لأن هذا التمديد عنى في الواقع تمديداً رسمياً للحروب فوق أرض سورية.
وإذا ما كان الأمر على هذا النحو بالنسبة إلى الأسد، فإنه سيكون على هذا النحو أيضاً للمواطنين السوريين حين تتغير موازين القوى (وهي ستتغير حتماً) وتصبح فرص مستقبل بديل خارج وحشية الأسد ووحشية الحرب أكثر وضوحا.

 

السابق
مقتل الفتاة ولاء صوفان على يد والدها
التالي
’برنامج دعم الأسر الأكثر فقرا’ يستقبل الطلبات