هل يستطيع بابا الفاتيكان المساهمة في عملية السلام؟

الزيارة التي قام بها يوم الأحد الموافق الخامس والعشرين من مايو 2014 بابا الفاتيكان فرنسيس لمدينة بيت لحم الفلسطينية بلا شك زيارة تاريخية لاقت ترحيبا من كافة أوساط الشعب الفلسطيني مسلمين ومسيحيين. لأنّ فلسطين التاريخية فيها أشهر وأعرق مكانين للعبادة، المسجد الأقصى للمسلمين وكنيسة القيامة للمسيحيين، بالإضافة لمدينة القدس كاملة شرقية وغربية حيث هي من أعرق المدن لدى كافة الديانات رغم ما يرافق ذلك من خلافات أو ادعاءات خاصة حول مكان ما يسمى المعبد اليهودي أو الهيكل حيث يرى اليهود أنّ المسجد الأقصى أقيم فوق أنقاض ذلك الهيكل، لذلك تستمر محاولات اليمين اليهودي المتطرف في اقتحام أو تلويث وتدمير المسجد الأقصى. وقد كان ملفتا للنظر دعوة البابا فرنسيس الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي للسلام والعيش المشترك بأمن وسلام.

فهل يستطيع البابا المساهمة في الوصول لهذا السلام؟
وقد ترافقت دعوة البابا هذه مع دعوة مماثلة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس حيث قال في مؤتمر صحفي مع البابا ” إنّنا نعول في فلسطين على جهودكم ومساعيكم الخيّرة لإحقاق حقوق شعبنا ونرحب بأي مبادرة قد تتخذونها أو تصدر عن قداستكم لجعل السلام حقيقة في الأرض المقدسة”. فهل يستطيع البابا تحقيق ما دعا هو إليه و طالبه به الرئيس محمود عباس؟. أرى بعد تفكير عميق واستعراض لمسيرة المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، أنّ البابا فرنسيس ولا أي بابا يستطيع أن يحقق خطوة واحدة في تقدم عملية السلام بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي..لماذا وما هي أدلّتي؟. أولا من المهم التذكر أنّ الفلسطينيين اعترفوا بوجود دولة إسرائيل ضمن حدود عام 1967 قبل توقيع اتفاقية أوسلو بستة سنوات، وذلك في دورة المجلس الوطني الفلسطيني المنعقدة في العاصمة الجزائرية عام 1988 عندما أعلن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات نظريا وعلى الورق قيام دولة فلسطين ضمن حدود عام 1967 ، ورغم ذلك وبعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1994 ، ما زالت المفاوضات مجرد مضيعة للوقت لتحقيق أهداف إسرائيلية على الأرض تتصاحب مع ضياع المزيد من الحقوق والأراضي الفلسطينية.  ولو نفّذت إسرائيل كافة مستحقات اتفاقية أوسلو لقامت الدولة الفلسطينية واعترفت بها إسرائيل منذ عام 2005 … لذلك لماذا لا وجود لأمل في السلام بين الطرفين؟

الخطوط الحمر نفسها لدى الطرفين،فالإسرائيليون من كافة تشكيلاتهم وأحزابهم يصرّون على: الاستمرار فيما أطلقوا عليه “توحيد القدس” واعتبارها عاصمة لدولة إسرائيل، وعدم تفكيك المستوطنات التي أكلت ما يزيد على عشرين في المائة من مساحة الضفة الغربية، وعدم الموافقة على حق العودة للاجئين الفلسطينيين. بينما لدى الجانب الفلسطيني نفس الخطوط الحمر، فهو يطالب بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين المرتقبة، وبضرورة تفكيك المستوطنات الإسرائيلية من أراضي الضفة الغربية، وتنفيذ قرار الأمم المتحدة الخاص بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة لديارهم. وما يزيد فقدان الأمل في إمكانية البابا من إحراز أية خطوة في طريق السلام بين الطرفين، هو تعنت الجانب الإسرائيلي في كافة الأمور الإنسانية الخاصة بالشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، وأهمها الاستمرار في اعتقال وسجن ألاف من الأسرى الفلسطينيين منذ عشرات السنوات بدون أية اسباب منطقية، والجانب الإسرائيلي هو صاحب براءة اختراع ما يسمّى (الاعتقال الإداري ) الذي لا تقرّه أية قوانين أو مبادىء دولية. وأيضا الاستمرار في حصار الضفة والقطاع وتجول الجيش الإسرائيلي يوميا في الضفة في كافة الأوقات، يعتقل ويقتل ويدمّر كما تريد غطرسته بما فيها قتل واعتقال أطفال دون سن العاشرة. والكل يدرّك انّ استمرار الجانب الإسرائيلي في تهويد القدس الشرقية وازالة ما أمكن من المعالم العربية و الإسلامية هو عمل مقصود وصولا لدعوة “يهودية دولة إسرائيل” التي يضعونها شرطا لاستمرار المفاوضات، وحتى لو قبل الفلسطينيون بذلك فلن يتحقق سلام لأنّ شروط الجانب الإسرائيلي أبعد من ذلك، فهم يريدون تصريحا وتلميحا دولة فلسطينية مجرد ديكور على نسبة لا تتجاوز 70 بالمائة من مساحة الضفة الغربية، وعدم المطالبة بالقدس الشرقية، واستمرا وجود الجيش الإسرائيلي في منطقة الأغوار على الحدود بين المملكة الأردنية الهاشمية والضفة الغربية، واستمرار الاحتلال في فرض الرقابة على الأجواء والمياه الفلسطينية، وخلو الدولة الفلسطينية القزم هذه من السلاح.

لذلك فلا بابا الفاتيكان ولا ماما أمريكا،قادران على تحقيق أي تقدم في عملية السلام بين الطرفين وسيبقى الوضع الحالي قائما طالما موازين القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية مائلة بنسبة عالية جدا لصالح دولة الاحتلال الإسرائيلي..وما عجز عنه الرفيق المناضل جون كيري لن يتمكن من تحقيقه الأب المسالم بابا الفاتيكان!!!.

السابق
أحلام تقارن نفسها بأم كلثوم
التالي
تدابير احترازية لمنع الحرائق في الجومة عكار