عن إيران التي يخدمها خصومها وغباؤهم

ايران
الخصوم العرب كما الأعداء الغربيين أسهموا، من حيث يدرون أو لا يدرون، في تقوية إيران. فقد تبنّوا معها وضدها سياسات كثيرة كثيراً ما كانت خاطئة، خدمت مصالحهم. إستتبعوها بخطوات ظناً منهم بأنها السبيل إلى تدمير الفكر الذي يديرها، لكنّ مسعاهم انحرف غصباً عن مساره فأدرك غير مراده. في المقابل قد ينتج الغباء أحياناً عبقرية توصل صاحبها إلى غايات ما كانت يوماً على باله ولا هي بالأصل أقصى أمنياته أو في أضعف الإيمان على سلم أولوياته.

يبدو أن إيران تواجه صراعاً داخلياً عنيفاً أكثر منه استعراضاً لفائض القوّة في السياسة الخارجية، أبطاله من دون أدنى شكّ حراس الثورة الصقور من جهة، قبالة الحمائم من الجهة الأخرى. ولا أعني هنا الإصلاحيين فهم أزيلوا عن الخارطة السياسية. فالصراع القائم اليوم هو بين المحافظين أنفسهم، الرديكاليين منهم، وبين الدكتاتوريين أصحاب الحقّ (الإلهي) في الإمامة، وذلك حول قدرة كلّ منهم على بسط سيطرته على التمدّد الجغرافي المكلف الذي سببه الانفجار الثوري الخميني التوسّعي مع مرور الزمن.

الخصوم العرب كما الأعداء الغربيين أسهموا، من حيث يدرون أو لا يدرون، في تكوين هذه الظاهرة. فقد تبنّوا معها وضدها سياسات كثيرة كثيراً ما كانت خاطئة، خدمت مصالحهم. إستتبعوها بخطوات ظناً منهم بأنها السبيل إلى تدمير الفكر الذي يديرها، لكنّ مسعاهم انحرف غصباً عن مساره فأدرك غير مراده. في المقابل قد ينتج الغباء أحياناً عبقرية توصل صاحبها إلى غايات ما كانت يوماً على باله ولا هي بالأصل أقصى أمنياته أو في أضعف الإيمان على سلم أولوياته.

إيران، للذين نسوا أو تناسوا، من الماضي الحارّ المتقّد بزغت… فأوجدها مجدداً الإنفجار الثوري العظيم، الذي أمّنت فوتوناته الضوئية، العالية الطاقة، فيضاً عارماً من الإشعاع امتدّ صوب الشمال. فعبرت حدود الغرب، أبحرت في بحر العرب نحو شرق القارة حيث الفراغ. ومن المعروف أنّ أيّ تحرّك في الخواء يتّسم بالتوتر الشديد الشبيه بما تفعله الكرة المطاطية حين تقفز بنتيجة الدفع في غرفة وعليك حينها أن تتخيل حركتها اللامحدودة خصوصاً أنّ من يشغل المكان من البشر هم عند حدود “ثابت بلانك” أي في حدود أصغر مقدار للطاقة ممكنة.

المشكلة حتماً ليست في حدود إيران اللبنانية الجنوبية ولا هي في تصريح القيادي يالحرس الثوري الإيراني رحيم صفوي. والفوضى في سورية ليست وليدة قتال الإنابة ولا هي نتيجته، واهتزاز التعاون الخليجي لم يخلّفه تسرّب المذهبية، ولا ضياع الهوية العراقية العربية سببه تغلغل الأفكار الصفوية…

إنّه الخواء. وتلك هي أفعال الكرة المطاطية. والحديث عن أنّ “شيئا ما” أدّى إلى وجود “حالة ما” هو أقرب ما يكون إلى التنظير وأسهل ما يكون عليه الأمر لحلّ أيّ مشكلة عويصة مهما كانت.

أطراف الصراع في إيران هم بخلاف ما يوحى عن أنّهم قطبين أو طرفين، وعن أنهم السالب والموجب كما في الكهرباء وعن كونهم من أتباع الشمال أو الجنوب كما في المغناطيس، أو أنهم الإصلاحيين والمحافظين.. والتنبؤ بهذه النماذج ليس إلا ظنّا لا يسمن ولا يغني عن الحقيقة الراسخة شيئاً.
إنّها إيران وقد باتت اليوم أصدق تعبير عن ظاهرة الجذب، لكنّها ذو قطب واحد. ولن يقضي عليها إلا الإنكماش الذاتي الذي يكون في العادة مدمراً تماما.

السابق
ما معنى رسالة سليمان الى البرلمان؟
التالي
حريق في مطعم رامي عياش و اصابة عدد من الموظفين