الدور الإيراني في القضية السورية

يتفق أغلب المهتمين بالقضية السورية على قول إن الدور الإيراني بدا دورا خاصا ومختلفا عن مواقف دول العالم، بما فيها التي اقتربت أو انخرطت في القضية السورية، ويعود اختلاف الدور الإيراني في القضية السورية إلى أسباب كثيرة، لعل الأبرز فيها المكانة الخاصة لسوريا في الاستراتيجية الإيرانية، والثاني طبيعة العلاقات بين نظام طهران ودمشق، والتي كرست حلفا قويا بين الجانبين، وكلاهما بين الأسباب التي دفعت إيران للانخراط، خاصة في القضية السورية.

وأبرز تعبيرات خصوصية الدور الإيراني في سوريا، تظهر في ثلاث نقاط؛ النقطة الأولى: الموقف السياسي الحاسم والمؤيد الذي تقفه إيران إلى جانب النظام ورأس النظام بشار الأسد، وهو موقف لم يتغير، ولم يتبدل منذ انطلاق ثورة السوريين ضد نظام الأسد، وقد وظفت إيران مجمل علاقاتها في كل الميادين السياسية والاقتصادية والدينية وفي المستويات كافة لتدعيم هذا الموقف وإسناده.

والنقطة الثانية: تقديم دعم مباشر للنظام ولسياسته في مستوى الداخل السوري، وهو دعم يشمل تقديم مساعدات عسكرية واقتصادية وتكنولوجية، ولم يقتصر الأمر في هذا الجانب على إرسال أسلحة ومعدات وقروض وتمويل احتياجات النظام، ومنها صفقات أسلحة ومعدات، بل شمل أيضا إرسال خبراء في مختلف الشؤون العسكرية والأمنية والتقنية، وتدريب مئات الآلاف من عسكريين في النظام، بعضهم جرى تدريبهم في إيران وآخرون في سوريا، والهدف في كل الأحوال كان تعزيز قوة النظام وقدراته لمواجهة ثورة السوريين والتغلب عليها.

أما النقطة الثالثة، فكانت دورا إيرانيا داخليا متعدد الأبعاد في سوريا، الأبرز فيه تدخل في الخريطة الديموغرافية – الطائفية من خلال تحشيد الشيعة السوريين وتنظيمهم في حرب النظام على السوريين عبر مقولات الدفاع عن الشيعة وحماية المراقد الشيعية، ودفع وحدات إيرانية أمنية – عسكرية للقيام بمهمات خاصة في سوريا، إضافة إلى تنظيم مجيء ميليشيات توالي إيران من بلدان مختلفة، واستخدامها في القتال ضد السوريين، كما هو حال حزب الله اللبناني، ولواء أبو الفضل العباس العراقي، وتنظيم حملات تطوع أسهمت فيها ومولتها إيران في كثير من البلدان بينها اليمن وبعض دول الخليج، ودفعت في محصلتها متطوعين للقتال إلى جانب قوات النظام، وخصوصا في ريف دمشق، أبرز معاقل الثورة والخاصرة الضعيفة لمركز النظام في دمشق.

إن الهدف الأساسي للدور الإيراني الواسع في القضية السورية مستمد من استراتيجية التمدد الإيراني في شرق المتوسط، وصولا إلى الخليج، ففي هذه الحلقة تشكل الثورة السورية محاولة إخراج سوريا من سلسلة سيطرة إيرانية، تمتد عبر العراق الذي يحكمه نوري المالكي إلى سوريا التي يحكمها بشار الأسد إلى لبنان، التي يفرض حزب الله سيطرته عليها.

والحلقة السورية هي الأهم والأقدم في هذه السلسلة، وبالتالي فإن موقف إيران فيها هو الأقوى، ليس فقط بما تمثله سوريا من دور وتواصل في الإبقاء على قوة ونفوذ حزب الله في لبنان، بل بما تمثله من خط تماس في الصراع الإقليمي مع إسرائيل، وفي احتمالات القضية الفلسطينية، وكلاهما حاضر في خلفيات استراتيجية إيران الإقليمية، بل هما بين النقاط الأساسية لتلك الاستراتيجية.

ومما لا شك فيه، أن أهمية سوريا في الاستراتيجية الإيرانية، يمكن أن تفسر الدور الإيراني الواسع والعميق في القضية السورية، غير أن هذا الدور بتكاليفه الباهظة، يفرض تحديات كبرى على طهران في المستويين الداخلي والخارجي لها تأثيرات عميقة ليس على استراتيجية النظام فقط، إنما على مستقبله أيضا.

ولئن استطاعت السلطات الإيرانية بكثير من الجهد مواجهة ما يفرضه الانخراط في القضية السورية عبر الثلاث سنوات الماضية باللجوء إلى القمع والتبرير واتخاذ إجراءات اقتصادية – اجتماعية في سياق معالجة تداعيات الداخل الإيراني، فإن الأمر أكثر تعقيدا في المستوى الخارجي، لا سيما في ظل توازي ملف الانخراط الإيراني في القضية السورية مع ملف طهران النووي، وقد استفادت إيران من فورة ملفها النووي وأهميته في تمرير تدخلها السوري، والذي لم يقابل من المجتمع الدولي والإقليمي من الاهتمام والشعور بالخطر إلا بحدود قليلة، لا تتناسب مع خطورته وتأثيراته المستقبلية على المنطقة والعالم.

إن الأهم في تحديات الدور الإيراني في القضية السورية على المستوى الخارجي، يكاد يكون حاضرا في الواقع السوري ذاته؛ ففي اصطفاف إيران مع حماة النظام الدوليين، والوقوف إلى جانب النظام ورئيسه، والقتال معه ضد الشعب بما يضمن بقاء نظام الأسد حتى الآن، يفرض رحيل إيران من سوريا مع رحيل الأسد ونظامه، وهذا سيعني خسارة استراتيجية كبرى لنظام طهران، لا يمكن تعويضها، مما سيؤدي إلى انهيار استراتيجية طهران في المنطقة، وهو أمر مؤكد في ظل أي تغيير جوهري في الموقف الدولي والإقليمي من القضية السورية.

السابق
جنبلاط تعليقا على فيسك: يا زمان الوصل في الأندلس!
التالي
الاستراتيجية الصينية: الوخز بالإبر