’قوروش’ الصفوي الجديد: من الذاكرة الى الواقع والشاشة

الجنرال المعتز والمفتخر بتاريخ بلاده رحيم صفوي قال إنّها "المرّة الثالثة التي تصل حدود بلادنا إلى ساحل المتوسّط". فهو فخور بإحراق سلفه أرتحششتا مدينة صيدا بمن فيها في القرن 4 قبل الميلاد، وبترانسفير سلفه "قوروش" اليهود إلى فلسطين في القرن 5 قبل الميلاد. وهذه هي المرّة الثالثة التي يتمدد بها الإيرانيون من خلال "حزب الله". ويحضّرون فيلما ضخما عن "قوروش" في هذه الأثناء مستعينين بمؤثرات صوتية وبصرية اميركية كما نقلت صحيفة الوفاق الايرانية قبل ايام .

تستعدّ ايران لإنتاج فيلم ضخم عن حياة الفاتح الفارسي الكبير قوروش الذي وصلت قواته في القرن الخامس قبل الميلاد إلى بلادنا. وترافق ذلك مع ذكر القائد في الحرس الثوري الجنرال صفوي أنّ إيران “وصلت للمرة الثالثة في التاريخ إلى ساحل المتوسط”، وذلك في دلالة واضحة على طموح إيران التاريخي في السيطرة على هذه الارض منذ قوروش وحتى خامنئي.

نقلت جريدة الوفاق الايرانية خبرا مفاده أنّ “علي معلم” منتج مشروع الفیلم التاريخي «قورش الكبير» الذي يراد منه تأريخ سيرة حياة هذا الفاتح الفارسي الكبير، صرّح  أنّ المخرج الإيراني “مسعود جعفری جوزانی” قام مؤخراً بزیارة الولایات المتحدة الاميرکیة واجرى خلالها مباحثات مع شرکات اميرکیة بشأن التعاون فی مجال المؤثرات البصریة الخاصة بالفیلم.

واشار “معلم” إلى أنّه أجرى مع المخرج “جوزانی” دراسة حول کیفیة انتاج الفیلم، استغرق العمل عليها 6 اشهر، والهدف هو عرض الفيلم في  5  آلاف صالة سینمائیة حول العالم.

واعرب “معلم” عن امله ان یساهم هذا الفیلم فی “التصدّي لحملة التضلیل التی یقوم بها الغرب ضد ایران والحضارة الایرانیة، عبر انتاج افلام هدفها رسم صورة مشوهة عن ایران وشعبها وثقافتها العریقة”.

وقوروش (أو كوروش) أحد أعظم ملوك الفرس الأخمینیین، إستولى على آسیا الصغرى وبابل ومیدیا، وأسس أمبراطوریة مترامیة الأطراف، وأرسى مبادىء ممتازة لحكمها. وقد عمد کوروش إلى اعتماد طریقة تسمح بأن یكون للمناطق المحتلة أقصى درجة من الحكم الذاتي.

بموازاة هذا الخبر الفنّي ذو الأبعاد والدلالات السياسيّة الحادّة والذي تجاوز مسألة العداء الأميركي الايراني، أعلن كبير مستشار القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية الجنرال يحيى رحيم صفوى أن قدرة ونفوذ بلاده “امتدّا ليصلا الى البحر المتوسط وهذه هى المرة الثالثة التى يمتد فيها نفوذ إيران ليصل إلى ذلك الحدّ”، مشيرا إلى أن الخطّ الدفاعى لإيران يوجد فى جنوب لبنان.

طبعا هذا التصريح استفزّ اللبنانيين. كما أثار حفيظة عدد من المسؤولين السياسيين وابرزهم رئيس الجمهوريّة ميشال سليمان والنائب نعمة الله أبي نصر اللذين. فقد عدّ الرئيس ان هذا التصريح “يمسّ السيادة اللبنانيّة”، وطالب ايران بتوضيح. أما النائب العوني أبي نصر، حليف حزب الله، فردّ بأنّ “لبنان لا يقبل لا شكلاً ولا مضمونًا الكلام عن أنّ أرضه في الجنوب أو بيروت هي حدود دفاعية لإيران أو لسواها”.

غير ان أحدا لم ينتبه ان الفاتح “قورش” كان حاضرا بشكل جلي في تصريح الجنرال الإيراني الفخور بتاريخ بلاده فهو قال: “قدرة ونفوذ بلادي امتدا ليصلا الى البحر المتوسط وهذه هى المرة الثالثة التى يمتد فيها نفوذ إيران ليصل إلى ذلك الحد”.

وإذا عدنا تاريخيا، وإذا كانت هذه المرّة الثالثة التي يصل فيها نفوذ ايران الى البحر المتوسّط على حدّ قول الجنرال، فإنّ المرّة الثانية كانت يوم احتل الملك الفارسي “ارتحششتا” الساحل الشرقي للمتوسّط في القرن الرابع قبل الميلاد. يومها سجّل التاريخ مجزرة مروعة، اذ تنقل الكتب أنّ صيدا ثارت ضد الفرس فحاصرها إرتحششتا الثالث. إلا أن الصيدونيين فضلوا الموت على السبي والأسر فأحرقوا مدينتهم وجميع مراكبهم واستسلموا للموت حرقاً. وتقول كتب التاريخ إنّ “أكثر من 40 ألف نسمة هلكوا في هذا الحريق”.

أما المرّة الأولى، فهي عندما وصلت جيوش الملك “كوروش الكبير” الى بلادنا في القرن الخامس قبل الميلاد. واذا كان التاريخ لم يحدّثنا عن مجزرة ارتكبها هذا الفاتح العظيم فإنّ ما فعله هذا القائد الملك غيّر في ديموغرافيا المنطقة لمئات سنين لاحقة. فقد أمر بإعادة اليهود من بابل الى فلسطين بعد ان كان سباهم الملك الأشوري “نبوخذ نصر”. كما أمر بإعادة بناء هيكل سليمان، غير أنّ الأدبيات الصهيونيّة تتحدث عن عقدة كوروش (كوروش كومبلكس)، وهي عقدة الزعيم الغربي غير اليهودي (مثل بلفور أو ترومان) الذي يبذل قصارى جهده لإعادة اليهود إلى وطنهم، وبذلك يضمن لنفسه مكاناً بارزاً فيما يُسمَّى «التاريخ اليهودي».

ففي العام 1839 كتب هنري أنس سكرتير البحرية البريطانية مذكرة لبالمرستون موجَّهة إلى كل دول شمال أوروبا وأمريكا البروتستانتية تطالبهم بأن يقتدوا بقورش وينفذوا إرادة الإله عن طريق السماح لليهود بالعودة إلى فلسطين.

وبالعودة الى الجنرال صفوي ، فإن الجنرال المعتز والمفتخر بتاريخ بلاده كان يعني تماما ما يقول، وما اشارته إلى “المرّة الثالثة” إلا افتخار بإحراق أسلافه صيدا بمن فيها، وبترانسفير اليهود إلى فلسطين.
والإشارة اليوم ليست إلا دلالة عميقة على أهميّة تحقيق هذا الحلم الأمبرطوري في صراع مملكتهم التاريخي مع الغرب منذ مليكهم “ارتحششتا” وبطل الفيلم العتيد الفاتح “كوروش”، وحتى التمدّد الفارسي الثالث الحالي في بلادنا كما قال الجنرال صفوي باعتداد.

السابق
لبنان على عتبة أزمة مياه صعبة
التالي
جورج وسوف: بشار الاسد ليس مجرما!