دولة معوّقة بلا سيادة لا تنتج ديمقراطية

الفساد
إذا كانت الوصاية السورية قد كرست حينها نظاما امنيا لبنانيا – سوريا يمارس السلطة من خارج المؤسسات، ويتولى ادارة الصراع العسكري مع العدو الاسرائيلي بشراكة ايرانية سورية لا دور للدولة اللبنانية فيه، فإن انفجار الازمة السورية واشتراك حزب الله رسميا في القتال الدائر هناك قد افقد الدولة آخر مظاهر السيادة.

بعد أن تقلّص دور الدولة في مسألة الدفاع الوطني بمواجهة العدوان الاسرائيلي (وإدارة الشقّ اللبناني في الصراع العربي – الاسرائيلي)، تفاقم تراجعها ليطال ضبط الحدود مع سورية وإمساك المعابر بين البلدين، فضلا عن استباحة المطار الدولي ومرفأ بيروت. وهي استباحة تُنتهك فيها على السواء هيبة الدولة الامنية والسيادية ومواردها المالية والجمركية. وبالتوازي، توسعت رقعة المناطق والمربعات الخارجة كليا او جزئيا عن سيطرة الدولة، اي عن سيادتها.

إذا كانت الوصاية السورية قد كرست حينها نظاما امنيا لبنانيا – سوريا يمارس السلطة من خارج المؤسسات، ويتولى ادارة الصراع العسكري مع العدو الاسرائيلي بشراكة ايرانية سورية لا دور للدولة اللبنانية فيه، فإن انفجار الازمة السورية واشتراك حزب الله رسميا في القتال الدائر هناك قد افقد الدولة آخر مظاهر السيادة.

لم يقتصر الامر على الاستيلاء على وظيفة الدولة الاساسية المذكورة أعلاه بل تم تعطيل الحياة الدستورية (ان لم نقل الدستور نفسه)، وذلك عبر:

–        الانتهاك الفاضح لقواعد اللعبة الديموقراطية كما يحددها الدستور، وهو انتهاك لم يتفاقم الى مستواه الحالي حتى في زمن الوصاية السورية التي حرصت على بقاء حياة سياسية شكلية تحفظ من اللعبة الديموقراطية مظاهرها الخارجية، فيما احتفظ الراعي الاقليمي بسلطة التحكيم والقرار النهائي في كل ملفات لبنان الاساسية، بحيث أرسى وقائع صراع سياسي لا يمكن حسمها عبر قواعد سياسية داخلية، جاعلا من التدخل الخارجي الاقليمي جزءا من آليات الحكم اللبنانية.

–        مع المعادلة الامنية – السياسية التي نشأت بعد انحسار القبضة السورية عن لبنان (والتي كانت تختزلها بشكل معبر تعويذة “الجيش والشعب والمقاومة”)، ومع فرض تشكيل الحكومات على قاعدة الثلث المعطل (المضمر او المعلن)، ومع فرض قراءة تسلطية لمفهوم الديموقراطية التوافقية، لم يعد ممكنا: لا انتخاب رئيس للجمهورية ديموقراطيا وفقا للدستور، ولا اقرار قانون عصري للانتخابات نيابية بالوسائل السلمية والديموقراطية. وكان أن حصلت العودة الى قانون 1960 بدوائره الصغيرة ثم اقتحام بيروت في 7 أيار 2008، الى مشروع القانون المسمى ارثوذكسي الذي يجعل لبنان دائرة واحدة مقسمة على مذاهبه، الى التمديد لمجلس النواب خلافا للدستور ولمبدأ احترام مهل الاستحقاقات الانتخابية، يتضح غياب معايير ديموقراطية وسياسية تتحدّد على أساسها مواقف القوى السياسية من القوانين الانتخابية.

–        تقاسم قيادة المواقع في الأجهزة الرسمية الأمنية، فتردّت أوضاع ادارات الدولة بعد أن تم استباحة وظائفها وجعلها حظوة للمحاسيب، والسطو المقنن على مرافقها وأملاكها العامة (الشواطئ والأملاك البحرية والنهرية والرمول والمشاعات البلدية والأرصفة وفضلات التخطيط والفرز.

–        الخروج المتمادي عن أصول المحاسبة العمومية وذلك بالتخلي عن اقرار الموازنة المالية العامة للدولة منذ عشر سنوات ولتاريخه، فيما يتم تحويل الأموال والاصول العائدة الى البلديات الى مال سياسي يصرف لأسباب حزبية وفئوية.

الاستثناء شبه الوحيد في هذا المشهد هو محاولة رئيس الجمهورية في نهاية ولايته الرئاسية ممارسة الصلاحيات التي أبقاها له اتفاق الطائف، والتي يبدو انها ما زالت تؤهله ليلعب دورا مركزيا في الدفاع عن الدولة ومؤسساتها الدستورية في مواجهة استفحال منطق العنف وخرق الدستور وانتشار السلاح وعودة الميليشيات وشيوع ممارسات الخروج عن القانون.

ولعل السؤال المطروح اليوم هو: هل ما زال متاحا وممكنا اعادة بناء الدولة وتسيير مؤسساتها والتسليم الطوعي من مختلف القوى السياسية بالالتزام بأصول اللعبة الديموقراطية البرلمانية والانصياع لنتائج الانتخابات والاستحقاقات الدستورية؟ وأي سلطة تحكيم وانهاء يتوجّب قيامها؟ أم اننا مع اقتراب انتخابات رئاسة الجمهورية أمام فصل جديد من التعطيل وانهيار آخر موقع للدولة ومؤسساتها؟

·      مداخلة ألقيت في مؤتمر حول بناء الدولة أقامه “تجمّع لبنان المدني”

السابق
حزب الله للالتزام باضراب الثلاثاء
التالي
أبي رميا : يستحيل إيصال أي مرشح لـ 14 آذار إلى بعبدا