وجدان الامة و لغة التسوية

علم فلسطين

سقطت عروش كثيرة بسبب الغش في ديناميكية العلاقة بين الاهداف والجماهير ودم الشهداء، فتساءلنا هل العروش معنى ام ديكور؟! ويتساءل سائل منا متى يكون البحر الميت ميتا؟ وهل كانت المجازر بحق الشعب الفلسطيني حوادث سير دون ان ندري؟ وهل كانت حدود الرابع من حزيران 1967 في الضفة الغربىة وقطاع غزة اسرائيلية ليتم شراؤها بالعروبة؟ هل يدرك العرب ان الطريق الى واشنطن تؤدي الى تل ابيب، وان حروبا ومجازر كثيرة ستندلع، وسترتكب ضد الشعب الفلسطيني من رام الله؟ لا سمح الله. وان كانت فلأن الرئيس ابو مازن فلسطيني ويحمل هموم احد عشر مليون فلسطيني، ولان هذا السلام الطاحن الذي ولد في ساعة متأخرة من ليلة امريكية كانت بعد قبول السادات وقف اطلاق النار في حرب تشرين 1973 اعدّت لتكون فجر العرب.

في فلسطين والعالم العربي الان شيء من المسرح واشياء كثيرة من الواقع، ولا احد يستطيع ان يقف خارج الحلبة، ولا احد يبرئ نفسه من الواقعة، ولا يسلّمن احدا من انهيار ما، لان اللحم العربي من المحيط الى الخليج هو النص، ولان القتلة والمتأمرون يكثرون بين ذكريات و انقلابات، وهل كنا بعيدين عن تلك العبارات الحماسية الى هذا الحد ،وهل الفنا هذه اللغة الرائجة؟ّ

الدخان الابيض لا بد انه سيخرج من النافذة، واكثر من ذلك ان للعروبة بناة آخرين، ومن سيصحو على اكتشاف الخطأ الذي قال ان الكيان الاسرائيلي لن يشتري السلام بذرّات التراب، ام الذي قال ان نتانياهو لن يرتكب النصف الاخر من المجزرة. ام الذي قال ان مؤتمر القمة العربي القادم لن يرتكب النصف الاخر من الخيانة غدا نعرف، ولكن الان الزنديق يغتصب الجمعة في العالم العربي ويصلّي، وناتانياهو يغتصب السبت في العالم ويصلّي، واوباما يغتصب الاحد في الكون ويصلي، ولا احد يسأل لماذا يؤمن القتلة بالله؟ وصلوات البابا في مشرق الدنيا ومغربها لاجل السلام معادلة النجاح والفشل تلعب بالناس كالمباراة، ولا يخرج من  البيت الابيض الا هدير السكون، وافتتاح يقول على العرب ان ينسوا القومية العربية، وعلى الشعب الفلسطيني ان يدرك انه لا مستقبل، يزدحم الصمت، ويثرثر المذيعون في الكثير من الاذاعات العربية باعلانات البضائع الاستهلاكية، وهي دائما امريكية، ولا يفعل احد شيئا غير فضيلة الانتظار، وفي اللجظة الاخيرة حين استطاع كل حالم عربي واسرائيلي ان يضمن حب امريكا او صداقتها هجم علينا نحن الشعب الفلسطيني سيد البيت الابيض بتجديد موعد النهاية ليقول شهود عيان ان ذلك قد جرى بسبب ارتفاع نسبة الرطوبة، وعدم تمكن الحكام العرب من ركوب الدراجات، وانخفاض درجة الاستمتاع في القضية الفلسطينية.

عندما انحلت عقدة النصر في تشرين 1973، وانتهى الصراع العربي–الاسرائيلي اذ تعانق الساسة العرب وقادة اسرائيل طويلا طويلا في حرارة العناق ذابت الخلافات الشخصية، وضحّى كلّ منهم بكرامته في سبيل الوطن، وسار الموكب الى واشنطن ليعلن سيد البيت الابيض وهو يمشي كالطاووس انتصاره الشخصي، ومن فلسطين المحتلة و ليعلن قادة اسرائيل انتصار الصهيونية في هذه الجولة وقطف ثمار المجازر منذ بدايات القرن العشرين وحتى الغارات الاخيرة وليست الاخرة الجبانة على قطاع غزة و المستمرة الى ما لا نهاية، وليعلن الزعماء العرب يسحب عروشهم من العروبة ومن دائرة الصراع مع العدو الصهيوني، وليوحي هؤلاء كلهم بقيام فهم جديد في منطقتنا العربية وبانهم سيكثرون.

يرقص الصهاينة حتى ينبلج الصبح وهذه عاداتهم التوراتية على امتصاص دماء الضحايا من الشعوب كل لاالشعوب، والهيكل اليهودي القائم على جماجم الشعب الفلسطيني قد توحّد هذه المرة بقيامه على دعائم مؤتمرات القمة العربية بعدما انجزت الوعد بتحويل سيوف العرب كل العرب من خالد الى عليّ وحتى صلاح الدين الى محاريث لدفن العروبة في الرمال، وتحويل رماحها الى مناجل لحصاد السراب في الصحراء، وبتحويل ما تبقّى من السلاح الى قمع الجائعين و المتمردين على امريكا واسرائيل، ولا تكون حروب بعد اليوم كما قالت التوراة مرة، وقالت ثانية لا سلام، قال الهي للاشرار يرقص الصهاينة حتى ينبلج الصبح سيرقصون قبل ان يمتحنوا قدرة هذا الفرح على الاستهتار باحتمالات العرب واحاديثهم من الشرق العربي الى الغرب العربي، وقبل ان يختبروا مدى شرقية الحكام العرب في تمثيل عروبتهم.

فهل يستطيع هذا الحاكم او ذاك الذي لا يثنيه احد في التنازل ان ينزع اي بلد عربي من ذاته، ومن عروبته، وان يبيع جسده مقابل اصبع واحدة من قدمه؟ وهل يستطيع ان ينقل القدس من تاريخها وصخورها المقدسة الى رسالة ضائعة في بريد الاحلاف؟ وهل يستطيع ان يجمد معجزة الانبعاث الفلسطيني في الامم المتحدة التي تجاوزت مذابح لا نهايات لها ووصايات لا تحصى حتى استقرت كأحد عناصر الطبيعة في هذا العالم؟ وهل يستطيع ان يلجم روح الامة التي صاغتها ىالتجارب والحروب لتعتقل ارادتها وتبدع ذاتها من جديد؟

اسئلة لا تطرح على ايقاع الرقص الصهيوني القاتل القاتل حتى للرب، ولا على نشوة الحكام بالقاب حسنة اسبغها عليهم الصليبيون الجدد، بل تطرح علينا، وعلى الامة، وعلى النبض والارض والرفض من فم ابو مازن لتجتاز امتحان الكارثة، وتعرف كيف يتم عزل الانظمة العربية الفاسدة بواسطة الشعب الفلسطيني ،وبدعم الشعب العربي، ونعرف كيف نهيئ انفسنا لحرب سيد البيت الابيض المعلنة، ويرقص هذه المرة الصهاينة حتى ينبلج الصبح لانهم دائما يعرفون كيف يعيدون تماثيل الوهم، ويعرفون كيف يحتفلون بفقدان من يعطي بلا ملكية فتاريخهم سلسلة من الجرائم المتواصلة، وقريبا ستخرج الامة كلها في وجههم براميل بارود وسيرقصون لمعنى آخر للسلام هو خروج الحكام العرب الفاسدين من المعركة، وتوفر شروطافضل  لحروبهم القائمة ضد بعضهم البعض وضد شعب فلسطين العربي فلم يبق جبهات والقاهرة بعيدة عن دمشق وعن القدس ،وفي كل مكان لهم وجود، وسيرقصون حتى ينبلج الصبح لان القادة الصهاينة قالوا لهم لا ترقصوا، ولن يرفرف علم عربي فوق القدس.

يقول الصهينة لن ننسحب من استباحة الضفة وقتل الاطفال واغتيال الثائرين على الجماد في غزة، ولن تعود الجولان ابدا الى سوريا،وستبقى القدس عاصمة اسرائيل مادام الشعب اليهودي حيا (ولكن سنرى ايضا)، هذه هي اتفاقيات امريكا مع اسرائيل والحكام العرب. هذه هي امريكا وهذه هي التسوية التي تطرحها وهذه هي فضيحة قرار 242 من ال التعريف في التفسير الامريكي و ضمير اللورد كارينغتون ،هل يستطيع العرب الان البرهنة على استقلالهم الوطني؟

ان قدرة الاتفاقيات الامريكية على التطبيق هي التي تشكل تحدي هذا السؤال، والسؤال الآتي هل يستطيع العرب اعادة صياغة جبهتهم الثورية من جديد وعلاقاتهم الدولية في مواجهة الضغط الامريكي الاسرائيلي ان مئات الاسئلة يطرحها صلح امريكا على الحروب الوطنية، وعلى الصراع الاجتماعي في شتى اجتماع الارض، ولا يطرح سؤالا حقيقيا عن السلام.

هل سيحلّ العلم الاسرائيلي المرفرف في بعض العواصم العربية دون ذكرها المسألة الاجتماعية في بلدانهم. ويؤمّن الفقراء العرب مزيدا من الخبز وضوء لمبة الكاز؟ لان النفط مصادر. رحمك الله يا ملك فيصل، يا ملك العروبة والاسلام، لم ولن يتمكن البيت الابيض ايا كان من مجرد الاحتيال على فلسطين ارضا وشعبا وقيادة، والارض العربية المحتلة في الجولان وجنوب لبنان ووادي عربة، فلم يطرح امامنا الا القتل و الدمار والحرب لمجرّد الحرب والضغط المتواصل .

لقد فقد هذا الطراز من التسويات فقد الطريق الى سلام بلا سلاح، وبلا عدل وبلا فلسطين هتك البدايات والاجتهادات، واحتمالات تحييد امريكا بلا قوة، وغرف عبيد الاستهلاك الامريكي على ابجدية الامبريالية، وكشف للمجتمع العربي الدور التدميري الذي مارسته اللغة السياسية العربية الجديدة المتحررة من لغة التحرير والمستعيضة عنها بلغة التسوية العادلة التي تؤول الى الاستسلام وهنا يتم اختراق وجدان الامة ليتسلل اليها اليأس والقنوط.

 

السابق
الناس في وادي الفقر.. وعمّال الأحزاب في وادي السياسة
التالي
الجيش السوري يسقط منطادا تجسسيا تركيا بريف اللاذقية الشمالي