المجلس الثقافي للبنان الجنوبي يكرِّم جوزف حرب

هو كاهن الشعر ومارده الذي قصره جنوب لبنان وشموعه الشموس والكواكب، الذي لا يغادر قصره السحري إلا ليطل على فلسطين، عاصمة الألوهة المجرحة بالدم والعدوان منذ مئة عام. إنه الشاعر الحق جوزف حرب، الذي غادرنا إلى الكواكب البعيدة منذ أربعين يوما، والذي كرم المجلس الثقافي للبنان الجنوبي ذكرى رحيله مساء أول أمس الخميس الماضي في ندوة صدحت فيها قصائد الشاعر مصطفى سبيتي وعلي هاشم والشاعر المبدع الياس لحود.
بداية، قدم الشاعر علي هاشم مكانة جوزف الأدبية والشعرية بين الشعراء:
«ذلك الرقيق الأنيق الأبي الجسور والشامخ الأنوف». ثم كانت كلمة المفكر الفضل شلق الذي استعاد جملة قالها الراحل علي شلق، والد الفضل، حين أكد «إن جوزف حرب أشعر شعراء جيله» وهي مبالغة محببة، ولكن يستحيل القياس عليها في النصف الثاني من القرن العشرين حتى أيامنا، لأن الحداثة الشعرية بما يتلاطم في أمواجها الشعرية من صخور الشعراء المحدثين، يصعب فيها اعتماد المقاييس العباسية في تقييم الشاعرية التي كانت سائدة قبل ألف عام».
لقد أنصف الفضل شلق جوزف حين اعتبر «أن عزلته عزلة من انطوى فيه العالم الأكبر ولكنه يأبى أن يكون صغيراً». وختم شلق مداخلته بالقول «كان حرب شاهداً على انقضاء مرحلة مهمة من مراحل تاريخ الأمة العربية… لقد انتهى زمن الأنبياء منذ زمن طويل، ولكن يبقى زمن الشعراء الملهَمين والملهِمين».
ثم قدم مسعود ضاهر عرضا بانوغرافيا شاملاً ولكن موجزاً، لأعمال حرب الأدبية في علاقتها بشخصيته. وطالب ضاهر بضرورة جمع أعمال حرب المكتوبة والإذاعية والتلفزيونية ليقرأها الشباب اللبناني خاصة والعربي عامة. أما ابراهيم بيضون، الأكاديمي القدير، فقد قدم قراءة نقدية، ولو موجزة، لشعر حرب مؤكداً أهمية كتابه «مملكة الخبز والورد» وكيف يتخيل القارئ لشعر حرب الغزلي ان هناك دائماً امرأة فاتنة تقف في شرفة قريبة. وكيف تتألف فروسية حرب الشعرية في تمامها على المنبر، وكيف كان حرب منقطعاً عن مجالس العهر وسفاسف الأقوال، وأعلن بيضون «أن حرب قامة تتزامل بالكبرياء، وشاعر يختزل ذاته في نمط قيمي».
ثم كانت المناسبة اللامعة في ذلك التكريم قصدتين للشاعر الياس لحود. الأولى بعنوان القيامة مهداة لجوزف والثانية بعنوان الموت.
جاء في الأولى: «عد كأن الموت جلاد جبان/ عد كأن الصخرة الماردة/ كَدَّتْ على كف الجنوب/ واستفاقت زنبقاً/ أدمى شقوق الصخر/ من ماضٍ وآت». وفي «مشهد الموت» قال لحود:
«تَجَسَّدْ/ تَنَعَّمْ/ تَدَنَّأ/ بهذا التراب الذي أنت فيه/ يا أنبل الشعراء». ثم ألقى لحود أغنية مهداة إلى حرب وإلى جميع الشعراء الجنوبيين» «دعوني، عشْتَ تقول دعوني/ وعلى صرخة أرضي.. انتظروني». أخيراً، ألقى مصطفى سبيتي قصيدة بليغة موزونة مقفاة مهداة إلى حرب» «قفير في المجرة/ يرشفُ العتمة مَرَّة/ كنت الليل قَبَسْ/ واخضراراً مني يَبَسْ/ وا جوزف/ حين أوغلتُ في قوافيك/ تحدتني الظلال/ يا صديقي/ كلما أسبر ذاتي/ التقيك/ هكذا تصهرنا/ في الشعر أوجاع القصيدة/ وأمانينا الشريدة». واختتم علي هاشم التكريم بقصيدة جميلة.

السابق
ذكرى نزار قباني على ’تويتر’
التالي
النهار: تفلت الأمن يضغط على الحكومة