ابن تولين المعمّر أحمد أمين فاضل رحل عن 108 أعوام

رحل عن 108 أعوام. المعمّر الحاج أحمد أمين فاضل صام رمضان المنصرم بكامله وكان يؤدّي الصلاة بوقتها ويقرأ القرآن باستمرار. زوجته الحاجة زمزم عمرها مائة وخمسة أعوام ومازالت حيّة، أطال الله عمرها. نعتهما بلدة تولين وأولادهما وأحفادهما. و"جنوبية"

منذ نحو شهرين أو أكثر زرت بلدة تولين الجنوبية في قضاء مرجعيون، بعد أن حدثني أحدهم عن رجل في البلدة تجاوز المائة والسنوات الثمانية من عمره ولا يزال بصحة جيدة. كما أنه لا يزال عالماً بما يحيط به ولم يصب بداء الزهايمر الذي يصيب من هم بعمره أو حتى من هم أصغر بسنوات. واللافت أنه صام شهر رمضان المنصرم بكامله ويؤدي فريضة الصلاة بوقتها ويقرأ القرآن باستمرار.

إلى تولين التي وصلت حيث البلدة الهادئة، الوادعة النائية، وحيث المنازل تدل على أن أهلها يعيشون على البساطة في حياتهم ويتمتعون بالطيبة وكرم الضيافة والترحاب، كما لاحظت من ملاقاة رئيس البلدية الذي رافقني إلى دارة الحاج أحمد فاضل الذي يجلس وزوجته على مقعد حجري في بهو المنزل الخارجي عند ساعات العصر، يحمل بيده رزمة من أغصان شجر “الزلنزخت” الذي يبعد به الذباب عن نفسه وإن كان الذباب غير موجود وذلك لأنها عادة كبار السن بأن يمسكوا بتلك الأغصان للتسلية فقط.

تقدمت منه وجلست إلى جانبه وجانب زوجته التي استقبلتني بابتسامتها الهادئة وبكلمات الأدعية والترحيب، تبادلنا بعض الأحاديث وسألت الحاج عن عمره وعما إذا كان في المائة والثمانية من العمر فأجاب ضاحكاً أنا لم أبلغ الرابعة والعشرين بعد، فمن أين أتيتي لي بهذا الرقم؟ وعن عمر زوجته قال عمرها مائة وخمسة أعوام.

وقال: الحمدلله أنجبت ثمانية أولاد وعملت في الزراعة طيلة حياتي، وذهبت لأداء فريضة الحج مرتين كما ذهبت لزيارة الإمام الرضا والإمام الحسين عليهما السلام.

سألت زوجته إذا كانت لا زالت تقوم بخدمته وطهو الطعام وتنظيف المنزل قالت: “لا، فابنتي لا زالت تعيش معنا في البيت وهي تقوم بأمور التنظيف وأنا أطهو بعض الأكلات التي يطلبها الحاج مني”.

استفسرت عن عمر ابنتها فقالت إنّها في الأربعين فزادت تساؤلاتي أكثر عندما علمت أن الحاج أحمد فاضل البالغ مائة وثمانية سنوات لديه ابنة في الأربعينيات وسألته مبتسمة هذا يعني أنك أنجبت بالسبعين من عمرك فضحك وقال: “ليس فقط في السبعين الآن أنا أستطيع الإنجاب”.

سألته ما اسم زوجتك قال زمزم. فزدت إنّها جميلة ورائعة ونقية كمياه الزمزم فقال ضاحكا: “أريد أن أتزوج بأخرى أريد أن أتزوج من شابة فتية زوجتي أصبحت هرمة”.

سألته عن الهاتف المحمول ورأيه فيه فقال هذا ليس بالأمر المهم وهو مصدر تسلية ومضيعة للوقت، أما عن الكمبيوتر فقال لربما هو مهم للأولاد ودروسهم.

أضاف: “أنا جلت العالم وتعرفت الى كل شيء فقد ذهبت إلى فلسطين وحوران ومكة والعراق والأردن…”. أما ابنه البالغ من العمر نحو 60 عاماً فيقول: “والدي بحالة صحية جيدة، ويعرف في نواحي الأمور الجديدة كلّها. ومؤخراً أصيب بوعكة صحية، وعندما عرضته على طبيب، أكد لي أنه عارض بسيط وليس له ارتباطات بأعراض أمراض الشيخوخة، وإنه يشاهد الأخبار ويبدي رأيه بآراء وتصاريح السياسيين ويستهزأ بهذا ويثني على ذاك”.

وبالعودة إى الحديث معه سألته عن بلدته من الناحية الجغرافية فأجاب بكل دقة وبمعلومات كافية. كما سألته عن بعض الأمور التاريخية فأجاب وإنما بشكل مختصر، وتحدث بشكل موسع عن المؤتمر الذي عقده السيد عبد الحسين شرف الدين في وادي الحجير. وذكر الأحداث التي مرت آنذاك سيما وأن منطقة وادي الحجير هي متصلة جغرافياً ببلدة تولين.

قاطعه ابنه الأكبر: “والدي يشاهد التلفاز ويهتم بالأخبار، ويقوم بتحليل بعض الأمور وبعض آراء السياسيين من خلال نشرة الأخبار. ويقوم بخدمة نفسه بنفسه من خلال تغيير ملابسه ودخوله بمفرده إلى المرحاض دون مساعدة”. كما أنه يقوم بزيارة أولاده القاطنين بالقرب من منزله.

كما أثنى الإبن على ذهنيّة والده الذي لم تشيخ كما شاخ جسده النحيل وقال: “والدي يعرف أولاد أولاده فرداً فرداً ويعلم بأن هذا الطفل أو الشاب هو فلان ابن فلان من أولاده وأحفاده”.

الحاج راح يطرح علينا الأسئلة أكثر مما نطرحها نحن عليه فيقول: “مين دلْكن عليّ، شو هلق بدكن تصوروني، شو مش شايفين بعد ناس حلوة متلي”. ويضحك قائلاً: “صوروا الحجة هي بتحب التصوير” فتجيب زوجته: “مين قلّك أنا بحبّ التصوير”.

ويجول بنظراته نحو الأشجار المغروسة بالقرب من المنزل فسألناه على أنواع تلك الأشجار وعمن زرعها فيقول: هذه شجرة جوز وتلك رمان… ويقول إنّ كل تلك الأشجار هو من زرعها وهو من يهتم بها كما اهتم وعلى مدى سنوات من عمره بالزراعة وتحديداً بزراعة التبغ والتنباك. وعندما سألناه عن تولين من الناحية الإنمائية، وعما إذا كان يتجول في أرجاء البلدة، ويأخذ مشاهدات عنها وعن طرقاتها وعمل البلدية فيها، قال: “البلدة جيدة وتشهد عملية إنمائية لابأس بها. فالبلدية تقوم بواجبها بشكل جيد، وإنما البلدة تحتاج للكثير، فتولين هي من البلدات المنسية من قبل الدولة”.

وعندما أردنا الخروج من دار الحاج سألناه عن أنواع الأطعمة التي يحبها فأجابت زوجته أنه يحبّ كافة الأطعمة. أما عن رأيه بالمأكولات الحديثة كالهمبرغر وغيرها فضحك وقال: “كل الأكل طيب”.

وعند وداعه اقتربت وقبلته بكتفه فضحك وقال: “هون عم بتبوسيني؟ لو بخدي بكون أحسن”.

وبعد مضي نحو شهر على زيارتنا الحاج أحمد فاضل في بلدته تولين أخبرنا رئيس بلدته عبر الهاتف، حسين عواله بأن الحاج قد فارق الحياة. وترك الفانية بكل هدوء ولم يكن مصاباً بداء عضال، أو ما شابه. بل وفاته كانت وفاة طبيعية وتعود فقط إلى تقدّمه بالسن. وأكد عوالة أن المرحوم  لم يدخل بغيبوبة قبل وفاته ولم تتأخر حالته الصحية أو حركته اليومية.

السابق
الدولة تحجب القبور عن آلاف اللّبنانيين
التالي
لا بيان .. ولا وزاري