الحريّة الناظمة والضّامنة.. وإلا السلفيات العنيفة

السيد هاني فحص
أيّها السياسيون هاتوا لنا ضمانا لتعزيز الحريات وخذوا منّا رضى وتشجيعا في محاربة من يستغلون الحرية في غير مقاصدها... وتحت سقف القانون، الذي يفرّق بين الحقوق الفردية والعامة وبين التجاوزات المؤذية للقيم والأفكار الجامعة. هذا وإلا، فإنّنا سوف نكون عرضة للسلفية الهادئة والسلفيات العنفية. وبعد قليل لا تلبث السلفية الهادئة أن تلوذ بالسلفية العنفية، وقد يؤدّي ذلك الى استدراج أشكال أخرى من العنف، ليتعطل كل شيء.

التعدد الإتني أو الديني أو المذهبي أو السياسي أمر طبيعي، وهو في الحالات كلّها والتاريخ كلّه، كان ويبقى بين احتمالين: إما أن يعيه أطرافه جميعا أو الطرف الأقوى على الأقل، أو الدول التي تحكمه، وعياً إيجابياً.. فيتحوّل إلى مصدر حيوية ونمو معرفي وإنتاجي.

هذا ما حصل إلى حد كبير في أوروبا وما زال مفتوحاً على المزيد. لكنّ الذي حفظه وأبقاه على خطّ التقدم هو أنّه تحوّل من وقائع وأحداث ووعي متدرّج لضرورات الحياة والاجتماع، إلى دساتير وقوانين يخضع المجتمع إلى تربية على أساسيهما. أي أنّ الحريّة التي قامت عليها تحوّلت إلى أفكار وقيم يومية بالتربية عليها ورعايتها من قبل الدولة بعد الإلتزام بها. أي أنّ الحرية أو الحريات تحولت إلى نظام بدل الفوضى التي استغلت التعدد سابقاً استغلالاً سيئاً ومجرماً اقتضى خمسمئة عام من الحروب الدينية والطائفية البشعة، بدأت في الحروب الصليبية ضد المسلمين ثم ارتدّت إلى الداخل الأوروبي حيث بدأت.

ولعلنا في الوطن العربي، أمام سقوط الحكام، الذين حوّلوا الدولة إلى بنية منفصلة عن اجتماعها، وعاشوا أكثر مما يحتمل في السلطة من خلال قيادتهم عمليات الفتن المختلفة بين مكوّنات اجتماعهم الوطني، وبعدما أدّى الحرمان المفتعل والقاسي من الحرية الى التخلف والفقر والفساد، بتنا أمام مشهد الحرية وشروعها في العودة إلى حياة الشعوب العربية.

لا بدّ هنا من قراءة متأنية ومتبصرة للتجربة اللبنانية، التي كان فيها التعدد المتوازن سبيلاً الى التمايز والتقدم، متحملاً غلبة نسبية من فئة على فئة. مرّة هنا ومرّة هنالك، بما يعني ذلك من حرمان الآخرين. لكنّ طبقته السياسية لم ترقَ في وعيها الى مستوى تحويل التعدّد والحريّة المترتبة عليه عمليا، الى مشروع سياسي ديمقراطي يحول الإشباع بالحريات من طريقه الى الفوضى والفتنة والتجزئة، الى نظام حريات يحفظ الجميع ويضع حدا للجميع، عندما تطغى المكوّنات الفرعية للجماعات الدينية على المكوّنات العامة، فيصبح الوطن والمواطن في خطر.

ومن دون حرية منظومة وناظمة ومنظَّمة ومنظِّمة، لا أدري كيف ينمو البلد المتعددة مكوناته أو المختلفة. أو كيف تكون هناك زراعة وصناعة وتجارة وجامعة وأدب وفن ووحدة وطنية واجتماعية. أو كيف يكون هناك دين.

أما أنّ الحرية فلها ضرائبها. صحيح. لكنّها في أسوأ حالاتها أقلّ فداحة من ثمن الطغيان أو الاستئثار السياسي أو الاتني أو المذهبي.

أيّها السياسيون هاتوا لنا ضمانا لتعزيز الحريات وخذوا منّا رضى وتشجيعا في محاربة من يستغلون الحرية في غير مقاصدها… وتحت سقف القانون، الذي يفرّق بين الحقوق الفردية والعامة وبين التجاوزات المؤذية للقيم والأفكار الجامعة.< هذا وإلا، فإنّنا سوف نكون عرضة للسلفية الهادئة والسلفيات العنفية. وبعد قليل لا تلبث السلفية الهادئة أن تلوذ بالسلفية العنفية، وقد يؤدّي ذلك الى استدراج أشكال أخرى من العنف، ليتعطل كل شيء.

السابق
السياسة الكويتية: سعد الحريري يحضر للعودة إلى لبنان
التالي
اكثر من مائتي مهاجر دخلوا الى مليلية من المغرب