بوادر انقلاب في معادلة حزب الله: القتال مع الأسد لم تعد لنا فيه مصلحة

حزب الله

يبدو أن العد العكسي لانسحاب حزب الله من سوريا بدأ يلوح في الأفق بعد تقارير تتحدث عن خطة دولية لسحب كافة المقاتلين الأجانب من الصراع الدائر هناك منذ نحو 3 أعوام. وبحسب محللين سياسيين فإن استمرار الهجمات الانتحارية ضد معاقل حزب الله في لبنان سيساهم في تسريع هذا الانسحاب.

يتّفق أغلب المحلّلين والمراقبين على أن وجود حزب الله إلى جانب نظام الأسد أثّر بشكل كبير على مجريات الصراع الدائر في سوريا منذ حوالي ثلاث سنوات. هذه المشاركة، التي تحظى بمباركة إيران ودعمها، بدأت تعود بالسلب على الحزب، الذي كان قبل اندلاع الثورة في سوريا، يشار إليه بـ”المقاومة اللبنانية”، ويحظى بشعبية كبيرة على المستوى العربي.

اليوم، ومع تطوّر الصراع في سوريا، جارة لبنان اللصيقة حدوديا وجغرافيا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا، بدأ حزب الله يفقد هذه الحظوة التي نالها إثر حروبه الأخيرة مع اسرائيل. ولم تعد الشعوب العربية، التي هتفت خلال حرب يوليو 2006 بالمقاومة اللبنانية، ترى في هذه المقاومة إلا تابعا لإيران تأتمر بأمرها وتعمل لحساب مصالحها.

وعلى الصعيد الدولي وصل الأمر إلى حدّ إصدار الاتحاد الأوروبي قرارا يقضي بإدراج “الجناح العسكري” للحزب على القائمة السوداء للمنظمات الإرهابية بسبب دوره المتزايد في سوريا. وكانت الولايات المتحدة قد وضعت حزب الله على القائمة السوداء في عام 1995.

أما في لبنان، فقد ساهمت عدّة عوامل في تراجع شعبية حزب الله وانقلاب كثير من اللبنانيين ضدّه، والمشاكل الداخلية على الساحة السياسية اللبنانية لا يمكن فصلها عمّا جري في الماضي ويجري اليوم في دمشق. كما أن استقواء حزب الله بالسلاح، وهو المجموعة الوحيدة في لبنان التي بقيت محافظة على سلاحها بعد انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، لتتمكّن المقاومة في الجنوب من الدفاع عن البلاد من التهديد الاسرائيلي.

الملف السوري أثّر على الوضع في منطقة الشرق الأوسط بأسرها، وخرج عن الطريق الذي عرفته دول ما يعرف بـ”الربيع العربي” لتّتخذ بعدا أكبر بات أقرب إلى حرب إقليمية متعدّدة الأطراف والجبهات. وهذه الحرب أثّرت بدورها على مصير حزب الله ووضعته أمام اختبار مصيري بدأت نتيجته تتوضّح مع الإعلان، مؤخّرا عن تشكيل حكومة توافقية وطنية في لبنان، يشارك فيها حزب الله بثمانية وزراء.

حكومة لبنان الجديدة

الإعلان عن تشكيل حكومة لبنانية، في هذا الوقت، وبعد حوالي 11 شهرا من الجدال بين حزب الله والقوى اللبنانية الأخرى، يطرح الكثير من التساؤلات حول السبب وراء “التنازلات” التي قدّمها الحزب في اللحظات الأخيرة، خصوصا وأن الفرقاء اللبنانيين كانوا قد اشترطوا انسحابه من سوريا قبل الوصول إلى أية نقطة توافق؛ كما أن تشكيلة الحكومة اللبنانية الجديدة، بقيادة تمام سلام، أبعدت حزب الله عن الوزارات السيادية، وعلى رأسها الأمنية.

وقد علّق مراقبون على هذه الخطوة بأن حزب الله رضي بتسليم قوى 14 آذار الوزارات الأمنية ليضعها في مواجهة الإرهاب الذي يمتد إلى البلاد، ويحمّلها مسؤولية مواجهة التكفيريين والمتشدّدين من السنّة وأنصار التنظيمات الجهادية التي باتت تهدّد الحزب الشيعي الذي خسر في التفجيرات الأخيرة التي هزّت لبنان عددا لا يستهان به من مقاتليه.

وقال جورج علم، المحلل السياسي والكاتب الصحفي في جريدة “الجمهورية” اللبنانية، إن مرحلة انسحاب حزب الله من سوريا “بدأت فعليا ولو شارك بمعركة منطقة يبرود” في جبال القلمون شمال غربي العاصمة السورية دمشق والمحاذية للحدود اللبنانية.

وتحاصر قوات النظام السوري يبرود منذ أسبوع لاستكمال معركة القلمون التي استعادت خلالها بلدة قارة وبلدات أخرى. وتستعد عناصر حزب الله التي تحاصر المنطقة من الجهة اللبنانية لمساندة قوات النظام السوري في هذه المعركة وتشارك بالاشتباكات التي تدور هناك.

مليون و 200 ألف لاجئ سوري في لبنان وفق تقديرات السلطات اللبنانية

ورأى علم أن سحب عناصر حزب الله من سوريا سيأتي في سياق خطة دولية من أجل انسحاب كافة العناصر الأجنبية المقاتلة من الأراضي السورية، سواء أكانت مع النظام أو مع المعارضة، مشيرا إلى أن “هذا يحتم على حزب الله ومن ورائه إيران الانسحاب أيضا”.

ورأى أن معركة يبرود ستكون فاصلة بالنسبة إلى حزب الله في كلا الحالتين “فهو سينسحب من سوريا سواء انتصر في هذه المعركة أو خسرها”. وأضاف أن التفجيرات والهجمات الانتحارية التي تستهدف معاقل حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت ومنطقة الهرمل شرق لبنان، منذ الصيف الماضي “تزيد الضغط على حزب الله من أجل تسريع سحب عناصره من سوريا”.

وأشار إلى أن مؤيدي الحزب خاصة الذين يعيشون في المناطق المستهدفة بدأوا يشعرون بالتململ بسبب الانفجارات التي جعلت مناطق نفوذ الحزب شبه معزولة عن باقي المناطق اللبنانية.

واستهدف هجوم انتحاري مزدوج، تبناه تنظيم “كتائب عبد الله عزام”، المقرب من القاعدة، المستشارية الثقافية الإيرانية في بيروت، صباح أمس الأربعاء، وأوقع 6 قتلى وحوالي 130 جريحا. وهو الانفجار الثاني ضد مصالح إيران في لبنان بعد أن استهدف التنظيم نفسه السفارة الإيرانية في بيروت نوفمبر الماضي بهجوم انتحاري مزدوج أدّى إلى مقتل 26 شخصا وجرح 146 آخرين.

ولاحظ علم أن حزب الله استطاع فصل مشاركته في القتال إلى جانب قوات النظام السوري وانضمامه إلى الحكومة اللبنانية الجديدة التي تشكلت، السبت الماضي، بعد حوالي 11 شهرا من الجمود السياسي في البلاد والانقسام الحاد بين القوى السياسية المتصارعة. وأوضح أن تراجع القوى السياسية المعارضة لحزب الله عن ربط دخولها في الحكومة بانسحاب الحزب من سوريا “يعزز فرضية نجاحه (حزب الله) في الفصل بين الأمرين”.

وقال إن حزب الله لم ينل حصة وزارية “وازنة” بخلاف ما حصل عليه معارضوه من قوى 14 آذار من حقائب وزارية مهمة، معتبرا أن هذا الأمر جعل هذه القوى تغض النظر نوعا ما عن مشاركة الحزب بالقتال في سوريا. واستطرد علم بالقول على وجود “صفحة إيجابية جديدة” في لبنان بين مختلف القوى السياسية، معتبرا أن هناك تحالفا سياسيا خماسيا غير معلن يتمثل في تيار المستقبل وحزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر والزعيم الدرزي وليد جنبلاط لتمرير الانتخابات الرئاسية المقبلة والمحافظة على هذه الصفحة الإيجابية بين اللبنانيين.

حزب الله داخل سوريا

من جانبه، رأى الكاتب الصحفي المقرب من حزب الله، قاسم قصير، إن سكوت قوى 14 آذار عامة وتيار المستقبل خاصة عن استمرار مشاركة حزب الله في القتال داخل سوريا وانضمامه للحكومة الجديدة جاء بعد أن حصلت هذه القوى على حصة وزارية كبيرة.

وقال قصير إن حزب الله “مضطر للاستمرار بالقتال حاليا في سوريا وخاصة في منطقة يبرود والمناطق الحدودية مع لبنان من أجل حماية الحدود ومنع العناصر التكفيرية من الدخول إلى الأراضي اللبنانية”.

وأشار إلى أن حزب الله “قد يكون مستعدا للخروج من سوريا ضمن تسوية شاملة تؤدي لانسحاب كافة العناصر الأجنبية والتوصل لحل سياسي بين السوريين”. ولفت قصير إلى أن الحزب يسعى حاليا لـ”عدم البروز بشكل كبير” في المعارك داخل الأراضي السورية وخاصة في معركة يبرود بل “سيكون معاونا للجيش السوري الذي سيكون هو في الواجهة”.

وقال مصدر في حزب الله إن قوات الحزب لم تبدأ حتى الآن بالمعركة “بشكل واسع” في منطقة يبرود، مشيرا إلى أنها في طور الاستعداد لها. وقال المصدر إن يبرود الآن محاصرة من قبل قوات الحزب وجيش النظام السوري مع بعض القصف بين الحين والآخر، مشيرا إلى مقتل عدد من عناصر حزب الله في بعض الاشتباكات التي تدور هناك”.

إيران هي المفصل

إجماع الفرقاء السياسيين في لبنان، بمختلف انتماءاتهم وتوجّهاتهم، على أن انسحاب حزب الله التام من سوريا، هو أول الطريق نحو الخروج بلبنان من دائرة التهديد الأمني، جعل الحديث عن تخلّي حزب الله عن معركته في دمشق أكثر واقعية اليوم، استنادا إلى أن الحزب بات يواجه صعوبات تهدّد مشروعيته وتحاصر مصادر قوّته، وأن حسن نصر الله، الأمين العام للحزب، سيصل إلى مرحلة يتوجّب عليه فيها الاختيار، إما نظام الأسد أو مصلحة الحزب.

ويرى بعض المراقبين أن كفّة الحزب قد تميل إلى الانسحاب، خاصة وأنه لم يكن دائما الصديق الوفي للنظام السوري، ففي الثمانينات كانت العلاقة بين حزب الله وسوريا متوتّرة نوعا ما. ويقول مراقبون إن إيران، مؤسسة حزب الله، هي التي حدّدت مصير التقارب بينه وبين ونظام دمشق.

يشير الباحث أورا سزيكلي (بروفسور مساعد في دائرة العلوم السياسية في جامعة كلارك في وورسيستر، ماساشوستس أن حزب الله تأسس لأول مرة خلال صيف وخريف عام 1982 بواسطة أفراد منشقين عن حركة ” أمل”، وشيعة عاطلين عن العمل كانوا سابقاً مقاتلين سابقين في حركة ” فتح”، وأفراد ميليشيات أخرى.

أما أولى التقارير عن أعماله ونشاطاته فقد بدأت بالظهور في العام 1983، بعد تفجيرات السفارة الأميركية وثكنات المارينز وثكنات وحدة المظليين الفرنسيين في بيروت، وفي العام 1985، أصدرت الحركة ” رسالتها المفتوحة” لتعلن عن وجودها رسميا.

خلال هذه الفترة، كانت خيارات حزب الله بخصوص الراعين الخارجيين محدودة بإيران وسوريا. فمنذ بداياته، كانت علاقته الخارجية الأهم هي مع إيران، بناء على الأيديولوجية والهوية الإثنية ـ الطائفية المشتركة. وقد سعى نظام ما بعد الثورة في إيران إلى الحصول على عميل وكيل له في لبنان لكنه وجد في حركة أمل شبه اليسارية لباسا أخرقا.

وأثبت حزب الله تطابقا أفضل بكثير مع النظام الإيراني، أقله لأن الأمر يعود، في جزء منه، إلى أن عدداً من مؤسسيه ومن قادة الثورة الإيرانية كانوا طلاباً يدرسون معاً في النجف. هذا الأمر أدى إلى تطور أيديولوجيتهم السياسية لتكون على أسس متشابهة، وإلى تطور العلاقات الشخصية إلى درجة وثيقة بينهم في بعض الحالات.

هذه العلاقة وفرت لحزب الله موارد مادية وغير مادية على امتداد الثمانينات، بما في ذلك التدريب على يد الحرس الثوري الإيراني عبر تقديم السلاح، والأهم من ذلك كله، التمويل.

يظهر مما سبق أن مستقبل حزب الله في مرحلة ما بعد الأسد، مرتبط ارتباطا وثيقا بما تقرّره دولة المرشد الأعلى، باعتبار أن الثابت في مبادئ الحزب الأساسية هو أنه يدين بمرجعية الولي الفقيه. فقد كان لقيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 بقيادة الخميني دافعا قويا لنمو حزب الله، وذلك للارتباط المذهبي والسياسي بين الطرفين.

وقد جاء في بيان صادر عن الحزب في 1985: “إننا أبناء أمّة حزب الله التي نصرالله طليعتها في إيران.. نلتزم بأوامر واحدة حكيمة عادلة تتمثّل في الولي الفقيه الجامع للشرائط”. وفي خطاب لحسن نصر الله سنة 1997 جاء: “إن الإمام الخامنئي-الولي الفقيه- يمثل بالنسبة إلينا، مرجعا دينيا وإماما قائدا”.

لدور حزب الله في سوريا تداعيات لا في الداخل اللبناني فحسب بل في شتى أنحاء المنطقة. فإذا فاز الأسد فسينمو نفوذ إيران على شواطئ البحر المتوسط وإذا خسر فمن المرجح أن يلحق الضرر بنفوذ إيران وحزب الله. لذلك تمثل المعركة، ونتيجتها، بالنسبة إلى الحزب صراع وجود.

السابق
لم يَعُدْ فيَّ حيّاً غير القلم: قال أنسي الحاج.. ورحل
التالي
الرئيس الأوكراني يعلن عن انتخابات رئاسية مبكرة في البلاد