الضاحية: إزدحامات المداخل، فراغ الداخل.. ونزوح

الضاحية الجنوبية
من طريق المطار إلى كورنيش المزرعة كنت أواجه عجقة سيارات خانقة، لكنّ الوضع الآن مغاير جداً فالطريق التي كانت تحتاج إلى ساعة لقطعها صرت أقطعها في الأسايبع الأخيرة خلال 10 دقائق. وتقاطع "القاروط" على الجاموس كان يحتجز الناس ثلاثين دقيقة على الأقلّ، واليوم لا يحتاج إلى أكثر من ثلاثين ثانية بسبب الخوف من تفجيرات في الأماكن المزدحمة.

حسم مقاتلو حزب الله المعركة في مدينة القصير السورية لمصلحة نظام الرئيس بشار الأسد. ورغم الأهمية الكبيرة التي يوليها الحزب للسيطرة على المدينة القريبة من الحدود مع لبنان، إلا أن هذا “الفتح” شكل محطة رئيسية لانتقال التمرد السني من سوريا إلى الأراضي اللبنانية، إضافة إلى الموقف السنّي الداخلي تجاه الحزب جرّاء “فتح” 7 أيار 2008، وتراكمات جرّاء تصرّفات الحزب اللامسؤولة والمستفزة اتجاه الجميع.

فرغم فرحة الجميع بـ”النصر الكبير” الذي حقّقه الحزب في معركة القصير، قال لي أحدهم: “انتصرنا! حسمنا المعركة”. والبركة عارمة على وجهه العريض. فقلت له بكل برودة: “لا تفرح يا هذا الآن بدأت المعركة”.

هذا الانتصار، وتدخل حزب الله بعدها علناً داخل المستنقع السوري، جعل من الجماعات السلفية والتكفيرية بالعمل على المجيء إلى لبنان وتأديب حزب الله، وطبعاً عبر راعيه الرسمي “شعب المقاومة” أو “معاقل الشيعة في لبنان”. وبدأوا يعدّون “المحاشي” على أنواعها إلى أن حانت نقطة الصفر لانطلاق أول انفجار مجرم في ضاحية بيروت الجنوبية، أصاب أهلها بهلع شديد رغم بعض الأصوات التي تصرخ على الإعلام “فدا إجر المقاومة” وفدا إجر فلان وعلاّن. وهذا ما جعل الضاحية الجنوبية أشبه بالصحراء القاحلة بعدما كانت تعج بالسكان وأصوات زمامير السيارات وصعوبة في المشي فيها.

ففي كلّ صباح أستيقظ، أغسل وجهي، وألبس، وأنطلق إلى عملي الكائن على طريق المطار على متن دراجة نارية. وبينما أسير تفاجأت في المرّة الأولى بعد الانفجار الأول بنفس “العجقة” التي كنت أعاني منها، ولكن عدت إلى طبيعتي وأيقنت أن الوضع متوتر جداً عندما دخلت إلى الأحياء الداخلية القاحلة، الخالية من السيارات والسكان، حيث بدا واضحا أنّ أصحاب المَحال أصبح لديهم شغلة غير المصلحة التي يشغلونها، وهي “كش الذباب”.

وأيضاً عندما كنت أذهب من عملي على طريق المطار إلى كورنيش المزرعة حيث المطبعة التي تطبع مجلة “شؤون جنوبية”، كنت أواجه عجقة سيارات خانقة، لكنّ الوضع الآن مغاير جداً فالطريق التي كانت تحتاج إلى ساعة لقطعها صرت أقطعها في الأسايبع الأخيرة، من محيط السفارة الكويتية – نزلة الرحاب إلى طريق المطار، خلال 10 دقائق لا غير.

وعندما كنت أذهب إلى “بيت عمّي” في “الجاموس” كنت أرى جانب محلات قاروط حشدت من البشر والسيارات بحيث تجد صعوبة في تخطّي هذا التقاطع بأقلّ من ثلاثين دقيقة، واليوم لا تحتاج إلى أكثر من ثلاثين ثانية بسبب الخوف من تفجيرات في الأماكن المزدحمة.

لا سيارات ولا مواطنين ولا من يحزنون في ضاحية بيروت الجنوبية. وكلّه يرجع إلى الرعب والتوتر الذي تعيشه الضاحية جرّاء التفجيرات الإجرامية التي تحصل “إذا مش الثلاثاء.. الخميس”.

ويلاحظ أن المواطنين الموجودين داخل الضاحية أصبح حديثهم يقتصر على “الحمدلله على السلامة”، “انتبه عالطريق”، “ما تتجوّل هنا”، “قلة التنقلات نهاراً أفضل”.

في الآونة الأخيرة بدأ الناس يلاحظون حالة من النزوح الدائم أقدمت عليه عدد من العائلات من الضاحية صوب البقاع والجنوب.. والحبل على الجرّار.

السابق
أسامة سعد يحرّف تاريخ صيدا في ذكرى شقيقه
التالي
جعجع: مصير ومصلحة البلاد يحتمان خطوة انقاذية فورا