السوريات أخرجن اللبنانيات من الحلبة المهنيّة؟

سوريا
كانت المرأة اللبنانية سابقا تعتقد بتميّزها. لكنّ المنافسة الاقتصادية أقصتها على يد المرأة السورية كما حصل سابقا حين أقصى العامل السوري العامل اللبناني. فالازمة تطال اليوم القطاعات التي تتعلق بالنساء. تقرير يلقي الضوء.

لم يترك العامل السوري لنظيره اللبناني أيّ فرصة عمل مهما كانت متواضعة. ولم يكتف السوري القادم من بلده، بالاطاحة بفرص العمل في قطاع البناء والتعهدات والاعمال الحرّة، بل تعدّاها الى التدريس والعمل في المحال التجارية، كمحال الالبسة والتعاونيات والمطاعم ووسائل النقل، اضافة الى بيع الخضار والخردوات على العربات المتنقلة على الطرق.

 وكلما كان يشتكي اللبناني من هذا الامر كان يسكت على مضض بعد تهديدات له بأن هذا العامل قد يكون عنصر مخابرات. واستمر الحال الى شهر نيسان 2006 حين انسحب الجيش السوري من لبنان. فانتقم بعض اللبنانيين من العمال السوريين وناهضهم على ذلك بعض اللبنانيين وكل بحسب توجهه السياسي آنذاك. الا انه وبعد اندلاع الاحداث في سوريا عام 2011 قدم الى لبنان آلاف العمال السوريين ومعهم عوائلهم. وبات هؤلاء بلا مأوى او عمل او طبابة او تعليم فانخرطوا في المجتمع اللبناني بعد ان كانوا كعمّال معزولين في الابنية والمؤسسات التي يعملون فيها.

 وكان من آثار تهجيرهم بحثهم الحثيث عن عمل، وبراتب أقل من النصف مما يتقاضاه اللبناني. ففي احد المقاهي تتقاضى النادلة الصغيرة السن 500 الف ليرة لبنانية بدوام 9-6 مساء، وفي أحد محال الاحذية المعروفة تتقدم شابة صغيرة السن مرتبة ومهذبة لتساعدك في تأمين طلبك فتعرف من لهجتها انها سورية، وفي محل لبيع الحلويات تتقدم فتاة بسن 18 تقريبا لتسألك طلبك. تتميّز بلباسها ولهجتها ولسانها الحلو كما هو حال بطلات المسلسلات السورية وعندما تستفسر منها عن راتبها تفصح قائلة: “400 ألف ليرة لبنانية”.

في الماضي كان العامل (ة) السوري (ة) في نظر اللبناني هو العامل والحمّال. واليوم صار المعلمة والنادلة والخياطة والبائعة والعاملة.. وباتت السورية اليوم منافسة للبنانية بأدبها الجمّ ولسانها الجميل وراتبها القليل.. فكيف يمكن للسوق اللبناني الا يغرق بهن حيث انهن سحبن البساط من تحت ارجل اللبنانيات بكل بساطة؟

وباتت العاملة في المنازل سورية أيضا، والتي تبيع الخبز سورية، والتي تنتقل من منزل الى منزل لطلب الاعانة سورية. الا ان ما يفاجأ ان رجلا ستينيا يطلق زوجته وأم أولاده ليتزوج من صبية سورية بعمرالـ19 عاما بحجة تربية اولاده وبمهر ضئيل جدا. هذا ما لا يمكن تصوّره من انقلاب الصورة والمقاييس بسبب النزوح السوري.

والسورية الفنانة ايضا نافست سابقا اللبنانية الفنانة. وثمة حالات لأديبات سوريات وشاعرات إتخذن بيروت مقرا لهن فأاشتهرن، كما فعل المئات من المثقفين والمثققفات في العقود الماضية.

كما برزت اعلاميات سوريات ايضا على مختلف محطات وقنوات الاعلام العربي دافعة اللبنانية الى الوسط بعد ان كانت قد تصدرت واجهته طويلا.

تعاني اللبنانية من انعدام فرص العمل لها ولزوجها، في حين تعاني السورية من انخفاض الرواتب، خصوصا اذا كانت مهجرّة الى لبنان حيث الغلاء الفاحش. الا ان وكالات الغوث تساندها في تأمين الاعانات الغذائية والصحيّة، على عكس اللبنانية غير المسنودة لا من جهات صحيّة ولا غذائيّة، حالها حال المرأة الفلسطينية اللاجئة منذ عشرات السنين والتي ذاقت مرارة اللجوء. وهي اليوم تتألم لانها تريد دعم إخوتها اللاجئين السوريين على حساب قوت عيالها.

هل هي قضية منفصلة عن بعضها: اللبنانية / السورية / الفلسطينية؟

لا. انها قضية واحدة مترابطة، يؤذيها التفكير الكياني الخاص الذي يزيد الأمر فرقة ونزاعا. فالمرأة العربية كانت وما زالت اول من يدفع الضريبة في كل شيء. من استشهاد أولادها وزوجها، ومن هدم منزلها، ومن تهجيرعائلتها، ومن اغتصاب بناتها، ومن فقرها وأميّتها وذلّها، وتسولها…

 كل هذه السلسلة من الآلام تراها المرأة العربية وتعيشها. وهي تدفع ثمن الثورات التي لم تغيّر شيئا حتى اليوم. بل ازداد المجتمع العربي تفسخا وشرذمة وتخلفا وهدرا لحقوق النساء في السنوات الأخيرة.

 بعد كل هذا السياق هل تتخلى المرأة \ الفتاة اللبنانية عن الصدارة، وتجد نفسها بالتساوي مع السورية والفلسطينية؟ خصوصا ان لا ثورة انطلقت من لبنان كما حدث مع جيراننا العرب في كل من مصر وتونس واليمن وسوريا والبحرين وليبيا؟

 هل تكون هذه الحالة الطارئة (اللجوء السوري) سببا في مزيد من الفرقة بين اللبنانية والسورية؟ ام ان عزّة النفس لا تزال أكبر لدى المرأة اللبنانية رغم التراجعات التي اصابت فرصها اقتصاديا ومعنويا وثقافيا؟

السابق
مهزلة الدفاع في لاهاي: جريمة الحريري ليست إرهابية!
التالي
مصادر التغيير والاصلاح: كلام جعجع يخدم موقف التيار ويقوّيه