مهزلة الدفاع في لاهاي: جريمة الحريري ليست إرهابية!

من تابع جلسات المحكمة الدوليّة الخاصّة بلبنان وما قاله المحامون في دفاعهم عن المتهمين الأربعة، يلاحظ ان الحيثيات القانونيّة لهذا الدفاع واهية وضعيفة، لصالح الإنكار وابراز حيثيات سياسية معيّنه كانت قد تبنتها قوى 8 آذار في تحريضها ضد المحكمة الدوليّة منذ سنوات. والأكثر "هضامة" نكتة محامي الدفاع أنطوان قرقماز الذي اعتبر جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري "غير إرهابية".

من استمع إلى جلسات المحكمة الدولية التي خصّصت لتقديم فريق الدفاع عن المتهمين مصطفى بدر الدين وحسين عنيسي التصاريح التمهيدية لدفاعهم، يلاحظ أن الحيثيات القانونيّة لمنطق المحامين الثلاثة كان واهياً، ويكاد يكون مغيّباً، وقد حلّ مكانه الإنكار والتبريرات السياسية والمنطق الشعبي المتهافت الذي سمعه دوما اللبنانيون من أطراف 8 آذار طيلة سنوات ثمانية تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

 أنطوان قرقماز محامي الدفاع عن المتهم السيد مصطفى بدر الدين اشتكى أنه لا يقابل المتهم الموكل بالدفاع عنه. وكأنّ هذا الأمر بيد المحكمة أو الادعاء، والغريب أنه أعلن أن الحكومة اللبنانية لا تتعاون معه وتعتمد مبدأ الكيل بمكيالين متناسباً أنه ومنذ العام 2011 لم يعد لتيار المستقبل ولقوى 14 آذار أي تواجد في الحكومة الميقاتية، وأنه عندما اغتيل رئيس فرع المعلومات اللواء وسام الحسن منذ حوالى سنة ونصف السنة تقريباً، رفضت وزارة الاتصالات تسليم “الداتا” لزوم التحقيق وعادت وسلمتها بعد فترة وبشروط معيّنة. أما الطامة الكبرى والنكبة السمجة في حيثيات دفاع المحامي قرقماز فهو ما ادعاه أن اعتداء 14 شباط لا ينطبق عليه التوصيف القانوني للإرهاب لأنه لم يعمد إلى “إثارة حالة ذعر بين الناس” وهو الشرط الأساسي للتوصيف القانوني لأي عمل إرهابي.

 وهنا نتساءل، ان أكثر من 2000 كيلوغرام من المواد الشديدة الإنفجار انفجرت وهدمت شارعاً بأكمله هو من أهم الشوارع السياحية في لبنان وأودت بحياة 18 مواطناً جلّهم من المدنيين، كيف لا تنطبق على هذا الفعل مواصفات العمل الإرهابي؟ وهل علينا أن نسأل الضحايا أنفسهم إن كانوا خافوا قبل أن يموتوا؟ إذ يبدو أن الدفاع لم يقتنع أن عشرات الجرحى ومئات موظفي الفنادق والمطاعم المجاورة والبيوت السكنية كادوا أن يموتوا رعبا من هول هذا الإنفجار المدمّر، ولا اقتنع حتى بشهادة موظفي وزبائن المصرف المجاور لساحة الانفجار الذي جرح منه من جرح وبعضهم لم يشف حتى الان، وقد جلس بعضهم منذ يومين على مقاعد المتضرّرين الذي خصصته لهم المحكمة.

 وفي حديثه عن الأدلّة الظرفية وبطلانها من ناحية بيانات شبكة الاتصالات، فالمحامي خلط بينها وبين واقعة ماديّة مسلّم بها أنكرها قرقماز عندما ادعى انه ما من أدلّة تثبت وجود انتحاري في مسرح الجريمة وأن السيارة التي عرضت هي نفسها المفخّخة، مع العلم إن فحوص “D.N.A” التي قامت بها لجنة التحقيق الدولية أوضحت، وبعد سنوات من تحقيق تخطى لبنان إلى سوريا والعراق، أنّ وجود الانتحاري بات مؤكّداً وأن المدعو أحمد أبو عدس الذي أريد تضليل التحقيق من عرض الفيديو المزيّف الذي تبنّى به عملية التفجير، إذ خلت ساحة الجريمة من أي أثر له.

 غريب أمر هذا الدفاع الذي لا يخضع دفوعه لأي مادة قانونية، وغريب أمر هذا التحوير الأخلاقي الذي يجعل من تفجير 2000 كيلو غرام من مادة “T.N.T” عملا بسيطا لا يثير الذعر، والأغرب أنه لا يخضع كذلك للأدلّة العلمية، وإذا قبلنا أن الاتصالات أدلّة ظرفيّة، فما هو واقع الأدلّة المادية في فحوصات “D.N.A”؟!  وعلى ذلك فقس!

 ولكي تزداد الأمور هرطقة، فإن محامي الدفاع عن حسين عنيسي، ياسر حسن تساءل بغرابة: “لماذا لم تشكّل محكمة دولية حول اغتيال كمال جنبلاط ورشيد كرامي ومحمد شطح وغيرهم”، معتبراً “أن مجلس الأمن انتهج تمييزاً بإنشاء محكمة الفرد وأهمل من ارتكب مجازر “. وكأنّ المراد من هذا الكلام الشعبي الواهي الذي طالما ردّدته قوى 8 آذار هو ضم ملف اغتيال الحريري إلى من سبق من هؤلاء المغدورين المغتالين، وعفا الله عما مضى!

 هي مهزلة بكل المقاييس هذه الدفوعات اللاقانونية واللاعلمية واللامنطقية التي يقوم بها المحامي قرقماز ورفاقه، هو كلام سمعناه في الشوارع وفي بعض الجلسات النقاشية الفكاهية فهل تحوّلت تلك المرافعات إلى كلام شعبي يراد منه مخاطبة العامة المعبّأة اللاواعية من أجل توجيههم باتجاه تضليلي تام؟

 أيام الجلسات طويلة، واللبنانيون في الانتظار.

السابق
الراعي: طرابلس كانت ولا تزال مقصدا للجميع
التالي
السوريات أخرجن اللبنانيات من الحلبة المهنيّة؟