لبنان المناطقي والمنقسم ينسى مدينة الهرمل

الهرمل
ربما كان تزامن انفجار الهرمل مع انطلاقة أعمال المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري سبباً في مروره هكذا بلا صخب. فهناك حدث آخر انشغل به اللّبنانيون. ولكن هل يكون السبب الوحيد؟ طبعاً لا. السبب هو هذا التقسيم في البلد الذي بدأ منذ الحرب الأهلية واجترّ حتى يومنا هذا.

ربما في يوتوبيا ما نريدها أن تكون لبنان، سيشعر المواطن بأنّه معنيّ في ما يحدث بالمنطقة المجاورة أو البعيدة. لكنّ لبنان المناطقي والمنقسم لا يمكنه أن يبعث بالدفء بين أبنائه، ولا يستطيع أن يعتلي مدنه وقراه ومحافظاته وينصّب نفسه وطناً.

عندما طالت الانفجارات المتنقلة قلب الهرمل البارحة، نظر غالبية اللّبنانيون إلى الرسائل الّتي تبعثها المواقع الالكترونية إلى هواتفهم النقّالة وأكملوا اليوم بشكل عادي من دون الإغراق في النواح والشجب وإدانة العمال الإرهابية.

هذا الاستنكار الشعبي الخفيف انعكس أيضاً في شجب المسؤولين للانفجار، الذي كان أقلّ حماسة من خطاباتهم الإسنتنكارية عادةً. “لم يستهدف التفجير أحد”، عبارة تناقلتها شاشات التلفزيون مطمئنة. القتلى والجرحى ليسوا أحدا.

ربما كان تزامن الانفجار مع انطلاقة أعمال المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري سبباً في مروره هكذا بلا صخب. فهناك حدث آخر انشغل به اللّبنانيون. ولكن هل يكون السبب الوحيد؟ طبعاً لا. السبب هو هذا التقسيم في البلد الذي بدأ منذ الحرب الأهلية واجترّ حتى يومنا هذا.

عندما تندلع المعارك الأهلية في طرابلس، المناطق الأخرى تكون في حالة غياب تامّ. من الطبيعي ربما أن تكون العواصم قلب الحدث ولكن هل من الطبيعي أن تكون العاصمة في لبنان الحدث الوحيد تقريباً؟

يعيش تحت سماء هذه البلاد حوالي ثلاثة مليون لبناني ومئات الآلاف من الجنسيات الأخرى. بين هؤلاء اللّبنانيين، عدا عن الطوائف القاتلة، يوجد اللّبناني البعلبكي، البيروتي، البتروني، الطرابلسي، الصيداوي، الجنوبي، العكّاري، الزغرتاوي وما إلى ذلك.

لا ضير من هذا التنوّع ولكن المصيبة أنّ هذا المواطن اللّبناني ليس إلّا جزء من هذه الهوية المتشظية ويكاد لا يعرف أيّ هويّة لنفسه خارج منطقته. يكاد لا يعرف هذا الآخر الجنوبي أو هذا الآخر الشمالي أو العرسالي أو البعلبكي إلّا من خلال وسائل الإعلام الّتي تسلّط الضوء على ما تشاء فحسب.

لا ضير في هذا التنوّع طالما أنّه لا يفقدنا شعورنا أنّنا شعب واحد، معنيين بكل محافظة وقضاء لبناني، فهل نستطيع أن نقول هذا فعلاً؟ هل نستطيع أن نقول أنّنا خارج حدود الجغرافيا – هذا إن تخطينا حدود الطوائف – وصرنا ننظر إلى الآخر كابن بلدنا؟ نستطيع ربّما من خلال الشعارات والهتافات. ولكن على أرض الواقع، كما تخبرنا أوجاع طرابلس المنسية وتفجير الهرمل الذي مرّ مرور الكرام، أنّ هذا التضامن معدوم الوجود.

السابق
صهيونية المحكمة.. لا تنفي عدالتها
التالي
مقلّد: ثقافتنا يدمرها الشحن المذهبي