أفراد روسيا الاحتياطيون

تميل روسيا إلى التفكير في السياسة بلغة وطريقة نشرات الطقس. ففي أواخر ديسمبر (كانون الأول) على سبيل المثال عندما بدأ الرئيس فلاديمير بوتين إطلاق سراح سجنائه، بدأ الكثير من الناس يتساءلون: هل هذا ذوبان؟ الإجابة عن ذلك السؤال – نوقشت على طاولات العشاء خلال العطلة عبر شبكات التواصل الاجتماعي – كانت بالإجماع تقريبا: لا ليست كذلك. واختلفت الآراء فقط حول درجة وتوقيت التجمد المقبل الكبير.

ذلك أمر غريب باعتبار القائمة القوية لمن منحوا العفو: إمبراطور النفط السابق ميخائيل خودوروفسكي واثنتان من فريق بوسي ريوت هما ماريا إليوخينا وناديذا تولوكونيكوفا، إضافة إلى 30 من نشطاء السلام الأخضر (غرين بيس) الذين اعتقلوا في سبتمبر (أيلول) خلال الاحتجاجات ضد التنقيب في بحر بارنتس وأربعة شبان كانوا محتجزين منذ مايو (أيار) 2012 بعد مصادمات بين المحتجين والشرطة (ما يعرف بقضية بولوتنايا) والمدرس إيليا فاربر المتهم بالرشوة وآلاف من المعتقلين الأقل شهرة بمن فيهم قصر وقدماء محاربون ونساء حوامل وأمهات، منحوا جميعا العفو.

يقول النقاد إنه كان يمكن أن تسقط التهم بطريقة أكثر اتساقا، لكن حجم العفو من الكبر بحيث لا يمكن تجاهله. أناس كثيرون معظمهم حبسوا لأسباب سياسية أصبحوا طلقاء. لم يحدث أن حدث مثل ذلك خلال سنوات حكم بوتين. وحتى لو كان دافعه الوحيد هو تجنب محاضرات زعماء العالم خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية الشهر المقبل في سوشي، فإن عفو ديسمبر له أهمية كبيرة ويوجه رسالة من الاعتدال إلى الشرطة والمدعين والقضاة. أما إن كان فيض العفو الهائل يصل إلى درجة بحر التغيير فلا يزال ذلك موضع شك. الجميع يفهم أن العفو كان حدثا مما يحدث مرة واحدة وليس إصلاحا منتظما. إن إطلاق سراح سجناء لهم مكانة كبيرة ليس مهما في حد ذاته. فحقيقة أن النظام القانوني ازداد تشددا بصورة مطردة، على الرغم من إطلاق سراح بعض السجناء المرموقين، لا تعطيني الكثير من التفاؤل، على الأقل بالنسبة للمستقبل القريب.

كان الرئيس ديمتري ميدفيديف، وهو رئيس الوزراء حاليا، اتخذ خطوات لإضفاء الناحية الإنسانية على القانون الجنائي، إلا أن جهوده قد قلبت إلى حد كبير. وكانت التغييرات التشريعية التي أدخلت العام الماضي منحت سلطات أكبر لهيئات إنفاذ القانون ولم تقم بإصلاحها. والآن تجبى غرامات عالية على الاحتجاج في الشوارع والتشهير، الذي أزيلت عنه صفة التجريم خلال رئاسة ميدفيديف، أصبح جريمة جنائية مرة أخرى كما منعت الحكومة ما يطلق عليه دعاية الشواذ.

ولا تزال الشرطة ولجنة التحقيقات، وهي سلطة التحقيق الرئيسة في روسيا، يشوبها سوء الإدارة والفساد، كما أن المحاكم ليست مستقلة عن الكرملين، ولا يزال نظام السجون مؤسسة ستالينية.

قبل إصلاحات ميدفيديف كانت وكالات إنفاذ القانون تستخدم قوتها للضغط على كبار المقاولين وانتزاع الرشى والحصول على أسهم في الشركات. وفي ظل رئاسة ميدفيديف حولت صلاحية فتح قضايا جنائية بسبب التهرب الضريبي من لجنة التحقيقات إلى خدمة ضرائب فيدرالية أكثر مهنية. وقام الرئيس بوتين بإرجاع تلك السلطة للجنة التحقيقات.

على الرغم من هذه الانتكاسات تظل هناك في روسيا أقلية مهمة قد تثبت أنها بارومتر تغيير النظام. من المستحيل تصنيف هذه الأقلية على أساس إثني أو ديني أو سكاني وهي خارج نفوذ بوتين. هي مجموعة لا شكل لها من المهنيين وعمال الطبقة الوسطى وأصحاب الأعمال التجارية الصغيرة والمفكرين والفنانين والكتب والبوهيميين المتنوعين.

يوري بيفوفاروف، وهو مؤرخ روسي لديه مصطلح لأولئك الذين لم يطحنهم النظام. هم «أفراد روسيا الاحتياطيون» فلا هم جزء من آلية السلطة ولا هم من السكان الذين لا يتساءلون. الصفة الوحيدة التي تجمعهم أنهم مستقلون عن مصادر الدخل التي تتحكم بها الحكومة. من الأسهل قول ما الذي لا تقوم به هذه المجموعة من قول ما الذي تقوم به. تتمثل هويتها في حقيقة أنها لا تقبل بقواعد النظام. قال خودوروفسكي في مقابلة حديثة، إن بوتين يطمح ليكون دينغ زياو بينغ السياسة الروسية – المحكم العاقل بين الممثلين والمجموعات. وأضاف قائلا: «لكن بمجرد أن يدرك أن جزءا من المجتمع الروسي لا يقبل بتحكيمه فهو يبعد ذلك الجزء ببساطة عن مشروعه السياسي».

السابق
تراجع الاقبال على الكنائس في صيدا
التالي
الراي: حزب الله روج لتبني داعش تفجير الضاحية لكن المصادر المعتادة للتنظيم لم تعلن المسؤولية