حكايا ناجين من كمين الموت في حارة حريك

رانيا، شادي، حسين وغيرهم كثر كان ممكن أن يكونوا في اي لحظة مشاريع شهداء في وطن تزداد فيه جرائم السيارات المفخخة.‬‬ صحيح اننا نحمد الله على النجاة، لكننا لسنا واثقين اننا سنكون بعيدين في المرة المقبلة رغم دعوات الامهات لنا بالنجاة والحياة فالمجرم ايضاً لم يزل يبحث عن ضحايا مجددا ليغتال بها الحياة.

من بين حكايا الحياة والنجاة من الموت، تلك المتسربة من هول الانفجار التي شهدته الضاحية الجنوبية (حارة حريك) الخميس في الثاني من كانون الاول 2014، من اصحاب هذه الحكايا ما رواه ل”جنوبية” بعض من كان يفترض ان يكونوا في موقع الانفجار، لولا العناية الالهية التي انقذت حياتهم. يسرد هؤلاء وقائع التجربة التي عاشوها في ذلك اليوم.
لم تتوقع الزميلة رانيا شومان أن (مطعم الجواد) الذي كانت تنوي التوجه اليه للقاء أحد اصدقائها سيكون هو ساحة الحدث حيث روت لـ”جنوبية” قائلة: “عندما هاتفته قبل ساعة من الإنفجار قلت له ألقاك في مطعم الجواد، لكنني في اللحظة الاخيرة اخترت مكانا آخر. وصلتُ إلى نفق المطار عند الساعة الرابعة وعشر دقائق، شاهدت دخان الإنفجار، لم يخطر ببالي أن يكون ناتجا عن عمل إرهابي، عندما وصلت الى مستشفى الساحل كان خبر التفجير قد شاع، حاولت الإتصال هاتفيا بصديقي، كانت خطوط الاتصال مقطوعة، ومع تكرار المحاولة علق الخط لكنه لم يجب، عندها كاد قلبي أن يتوقف. ركضت وانا أبكي، حتى وصلت إلى المكان المتفق عليه، لم أجده في الداخل، في تلك اللحظة شعرت أن قدماي ما عادتا قادرتين على حملي، أجهشت بالبكاء وكنت أريد أن أبدأ بالصراخ، فسمعت صوتا من الخلف ينادي:إطمئنيّ. دموع الخوف تحولت لدموع شكر ل الله ولم أستطع النطق طيلة ساعة من الصمت “.

أما شادي نور الدين، الذي يقطن على بعد ١٠٠م من مكان التفجير، يركن سيارته بشكل يومي ما بين الساعة الثالثة والنصف والرابعة في مرآب يبعد خمسة أمتار عن موقع الجريمة بعد أن يكون قد أنهى عمله في تمام الساعة الثالثة. يقول شادي: “اليوم ما بعرف كيف الله ألهمني، وتلهيت بشغلي وبقيت زيادة لدرجة ان زملائي قالوا لي دوامك خلص من نصف ساعة ليه بعدك هون”. غادر شادي مكان عمله متوجها الى المنزل وصل الى حي ماضي واذ بصديقة اخته تتصل به لتسأله عن مكانه ولتعلمه بما جرى وكيف أن والدته “جنّت ولمّت الدني”. من خلال هذه الجملة استطاع شادي أن يرسم المشهد.
ترك شادي سيارته في حي ماضي وأكمل طريقه سيراً على الاقدام وهو يحاول الاتصال بوالدته لكن دون جدوى. الخطوط لم تكن متوفرة في تلك الاثناء وهو يصف شوارع الضاحية التي مرّ بها وصولا الى موقع الانفجار كيف كانت تعج بالناس الذين يشعرون بالخوف, والنساء في رعب شديد.

وعند وصول شادي الى موقع الانفجار ورؤيته للسيارات المتفحمة التي كان يركن سيارته الى جانبها، ادرك أن عمراً جديداً كتب له وأن ساعة رحيله عن هذه الدنيا لم تأت بعد، بل كان موعد آخرين من الأبرياء الذين ليس لهم ناقة ولا جمل بما يجري!!
يشكر شادي الله على الذي قدّر له أن يبقى على قيد الحياة.

أما حسين أيوب، هو أيضاً ممن كتب الله لهم عمراً جديداً دقائق معدودة انقذته من الموت يروي لنا وهو يتذكر كيف كان متوجهاً من منزله الكائن في حارة حريك الى عيادة الطبيب في بئر العبد، وللمرة الاولى يسلك حسين هذه الطريق هرباً من ازدحام السير في الطريق الذي اعتاد أن يسلكه، كان حسين يسير تماماً خلف حافلة طلاب كانت قد توقفت في أول الشارع العريض ليخرج منها أحد الطلاب. لم يرق لحسين الانتظار فتجاوز الحافلة مكملاً طريقه، وما هي الا دقائق اجتاز خلالها الشارع العريض- مسرح الجريمة البشعة- حتى سمع دوي الانفجار وظهرت تلك الحافلة في الفيديو الخاص بمكان الانفجار حيث كانت السيارة المفخخة خلفها تماماً مع أن حسين ارتكب مخالفة قانونية بتجاوزه للحافلة الا ان المخالفة انقذت حياته هذه المرة. ويختم بقوله “الموت كان قريباً مني، والحمد الله على كل شيء”.
ارتسمت على وجه هؤلاء الناجين حالة من الذهول لا يصدقون حتى بعد مرور عدة أيام على التفجير ‬ان هناك اناساً ‬تمّلك الحقد قلوبهم ‬وسيطرت فكرة الانتقام، على عقولهم من ابرياء لم يقترفوا شيئا!

رانيا، شادي، حسين وغيرهم كثر كان ممكن أن يكونوا في اي لحظة مشاريع شهداء في وطن تزداد فيه جرائم السيارات المفخخة.‬‬ صحيح اننا نحمد الله على النجاة، لكننا لسنا واثقين اننا سنكون بعيدين في المرة المقبلة رغم دعوات الامهات لنا بالنجاة والحياة فالمجرم ايضاً لم يزل يبحث عن ضحايا مجددا ليغتال بها الحياة.

السابق
لبنان والدين العام: الأوّل عربيا والـ158 عالمياً
التالي
ماجد الماجد سيدفن في لبنان إذا امتنعت السلطات السعودية عن تسلمه