الإرهاب كثروة وطنية

تعتقد حكومات كثيرة أن إعلان الحرب على الإرهاب يسهل اندراجها في دول العالم المتحضر ويضعها في موقع الضحية المستحقة للدعم والمساندة من الخارج والتفاف شعبها حولها في الداخل.
تستخدم تلك الحكومات الإرهاب ذريعة لإلغاء كل تَطلّب ديموقراطي وكل دعوة من معارضيها لتوسيع قاعدة المشاركة في الحكم. بل يصل الأمر ببعض الحكومات إلى إدراج التلويح بالخطر الإرهابي ضمن ثرواتها الوطنية التي تبيعها إلى العالم الذي يعيش رعباً حقيقياً من الظاهرة هذه منذ هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001.
بشار الأسد، على سبيل المثال، يريد ومعه أنصاره الروس جعل محاربة الإرهاب أولوية في أعمال مؤتمر «جنيف 2». وسورية، في رأيه، تتعرض لاجتياح من المجموعات الإرهابية التي تتكاثر فيها وهي أس المصائب التي تنزل بهذا البلد منذ ثلاث سنوات. ليس كشفاً أن المقاربة هذه ترمي إلى إعادة تفويض الأسد ونظامه حكم البلاد إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، ما دام الجميع يعلم متى تبدأ الحروب على الإرهاب ولا يعرف أحد متى تنتهي. ويدخل طلب تجديد التفويض هذا في باب المراوغة والتهرب الدائمين من تحمل مسؤوليات الأفعال، وهو «النهج الحكيم» الذي يتبعه حكام دمشق منذ عقود. والأسد ذاته كان يردد طوال سنوات سبقت اندلاع الثورة في بلده ما كان يقوله والده عن ضرورة عقد مؤتمر دولي «لتعريف الإرهاب» والتفريق بينه وبين المقاومة المشروعة للاحتلال.
ومن نافل القول إن الأسد وزبانيته يريدون من تعيين محاربة الإرهاب أولويةً حشد القوى الدولية ضد جميع فصائل المعارضة المسلحة والمدنية وليس حصرها بجهات محددة يشتكي من ممارساتها الناشطون في الثورة قبل غيرهم. ولا يود، حكماً، أن تُدرج أعمال مروحياته وطائراته التي قتلت بواسطة البراميل المتفجرة 547 شخصاً في حلب في غضون عشرة أيام في عمليات قصف عشوائي استهدف الأحياء الأفقر والأكثر اكتظاظاً بالسكان.
سلوك مشابه تسلكه السلطات المصرية. مفهوم أن تتخذ القاهرة كل الإجراءات التي تكفل وقف العمليات الإرهابية على غرار تلك التي ضربت المنصورة قبل ثلاثة أيام، ومفهوم أن تتشدد في مراقبة المنافذ الحدودية كلها، مع غزة وغيرها، لكن ما يدعو إلى الاستغراب فعلاً استغلال الغضب الشعبي بعد جريمة المنصورة للإقدام على اعتبار جماعة «الإخوان المسلمين» منظمة إرهابية وتستغل التصنيف هذا لمنع تظاهرات مؤيدي الجماعة المستمرة منذ تموز (يوليو) الماضي (والتي لا تجذب حشوداً كبيرة بالمناسبة).
وليست واضحة بعد القيمة القانونية للقرار الذي لم تسنده أي هيئة قضائية وسط تكهنات عدد من الكتاب المصريين بإمكان التراجع عنه للنواقص التي تعتريه. لكن الجليّ أن الوجهة العامة التي أملت اعتبار «الإخوان» منظمة إرهابية، تفضي إلى إكمال فصول إعادة سيطرة المؤسسة الأمنية – العسكرية على الدولة مستغلة الكراهية العامة لـ «لإخوان» وفشلهم وعزلتهم. ويسعى القرار كذلك إلى ردم الهوة بين المزاج العام الرافض لـ «الإخوان» وبين تقديم المخلص الجديد الآتي على حصان الاستقرار الأبيض.
هذان نموذجان جديدان من «تسليع» الإرهاب. النجاح في تسويق السلعة وبيعها مسألة مختلفة. وفي زمن الركود الدولي هذا، تعج الأسواق ببضائع سياسية مختلفة يحاول باعتها لفت انتباه المشترين الدوليين إليها. قضايا إنسانية ومشكلات عرقية وحدودية وبيئية… السوق مزدحم بالسلع والمشتري متردد. وما من دليل على أن الثروة الوطنية التي يمثلها الإرهاب ما زالت على ذات القدر من الجاذبية الذي كانت تتمتع به قبل عقد من الزمن.

السابق
مصادر قيادية في “14 آذار” لـ ”السياسة”: مواقف “حزب الله” تعكس بوضوح رغبته بتعطيل الانتخابات الرئاسية
التالي
خطف شخصين عُمانيين في بعلبك