فاطمة رضا: الجنوب موطني… وللبنان ولائي !

تيما رضا
هي فاطمة، لكنّها، بعنادها المعتاد، قرّرت أن تكون "تيما". صحافية لبنانية من الجنوب، ناشطة مدنية، ووالدة وزوجة، والأهمّ: متمرّدة. خاضت في مجال التحقيقات منذ تخرجها من كلية الإعلام، ونالت جوائز عالمية، وتسلّمت مناصب مهمّة في جريدة "الحياة" التي تعمل فيها منذ 11 عاما. فماذا تقول لـ"جنوبية" ابنة الثلاثين عاما، عن نفسها وقلقها.

فاطمة رضا أو “تيما”، كما تحب ان تسمي نفسها. “لا أحب اسمي لأسباب تبدأ شخصية ولا تنتهي بالطائفية والسياسية”. تتمنى لو ان لا دلالات دينية لاسمها، ليس انتقاصاً من الدين نفسه، إلاّ بسبب العِقد التي تملأ المجتمع اللبناني، الذي يتمسّك بأي تفصيل من أجل فرض تصنيفات قد لا تعني للشخص نفسه.

صحافية ناشطة خاضت في مجال التحقيقات منذ تخرجها عام 2002، وتشغل اليوم مناصب مهمة في جريدة “الحياة” العربية: ” مضى 11 سنة على وجودي ضمن فريق جريدة الحياة، واليوم أنا مسؤولة ملحقي المجتمع والازياء(متوقف في انتظار اعادة هيكلة)، والمحررة التنفيذية ومديرة محتوى الموقع الالكتروني للجريدة.

تروي سيرتها بفخر: ” اعتقدت أني ناضلت منذ أيام الجامعة للوصول إلى ما أنا عليه، رفضت من اليوم الاول أي محاولة لاقناعي بأن كان للأحزاب المسيطرة على كلية الاعلام والتوثيق الفضل في دخولي الى الجامعة، فحاربت في رأسي فكرة اعطائهم أي فرصة من أجل التأثير على خياراتي السياسية أو الاجتماعية، وخاصة أني كنت في ذلك الحين مع اتحاد الشباب الديموقراطي والحزب الشيوعي”. تصف سيرتها بالمثيرة، وأنها راضية إلى حدّ ما عمّا وصلته ولكن الطموح بحسب قولها “متعب”. مهام كبيرة اضيف اليها ابنتها الصغيرة كايا، وتقول أن أصعب مهمة تسلّمتها حتى الان هي انجاب وتربية ابنتها، من دون أن ينفي ذلك أنها الحدث الأبرز في حياتها “انها ضحكة عمري

كان الزواج مؤجلاّ في رأس ابنة البابلية، القرية الهادئة البعيدة عن صخب الحروب، القرية التي توطدت علاقتها بها أيام الدراسة، لتعود وتتحول الى زيارة عائلية في المناسبات، جرّاء ضغط الحياة اليومية والمهنة التي تكاد لا تعطي أيام عطلة حقيقية “أعود الآن أكثر، لأني أحب أن أرى كايا بين تلعب في الحقول أو تشم الورد الطبيعي”. فكرة الزواج المؤجّلة عجّلت بها حرب تموز عام 2006 “لا أدري كيف في ظل القتل والحروب، شعرت بأني أريد طفلاً”.. لتمرّ شهوراً قليلة ومن بعدها ارتباط فزواج عام 2009″. ليست من محبي المال أو الحياة المديدة، بحسب ما تقول وتفضّل الموت شابة، أو هكذا كانت على الاقل قبل أن تجد أنها مسؤولة عن البقاء على قيد الحياة من أجل طفلتها على الأقل.

الشيعية الجنوبية تزوجت شابا سنيّا تشدد على رفضها لهذه التصنيفات: “لا أحب أن أصنّف شيعية، أنا لبنانية وأرفض التأطير في الزواريب الضيقة، وافتخر بأني متصالحة مع نفسي بهذا الأمر إلى أبعد الحدود. فلا أنا شيعية ولا زوجي سنّي، وحتما ابنتي لن تكون “سوشي” كما يحلو للبعض أن يسخر هذه الايام تعبيراً عن الوفاق الوطني”. رغم أنّ الأكثرية الساحقة ترغب بمعرفة مذهبي، عند التعرف إليّ فأرد مباشرة اني من لبنان. وبالطبع يتدرج السؤال: من اين؟ وأين تسكنين؟ وما هو رقم سجلك؟ كل ذلك لمعرفة مذهبك، هذا ما أدى بوطننا إلى ما نحن عليه الان من أحقاد. كما انا ارفض ان يتم التعاطي معي في المحاكم المذهبية كما يتم الآن مع النساء في لبنان، ولكن ماذا يمكننا أن نفعل؟”.

انتسبت الى “اتحاد الشباب الديموقراطي” التابع للحزب الشيوعي، خلال دراستها الجامعية في كلية الاعلام. لكنّها خرجت منه مع تخرّجها من الجامعة: “آخر نشاط لي كان بعد إصابة بليغة في كتفي خلال تظاهرة  الى السفارة الاميركية في عوكر تنديدا بمجزرة جنين بفلسطين عام 2002، عندما أصابني دركي بقنبلة مسيلة للدموع فكُسرت يدي ولا أزال حتى حتفظ بندوب الضربة”. اليسارية غير المحزّبة اليوم، لا ترى نفسها اليوم ضمن فريق من فرقاء الاصطفافات الموجودة في لبنان: “أتوافق مع بعض مواقف 8 آذار ومع بعض مواقف 14 آذار، ولكني لست وسطية”. وتضيف: “أنا ممّن لديهم قناعات راسخة في أمور أساسية ومنها مقاومة اسرائيل، إلاّ أن لدي الكثير من التحفظات على الممارسات الداخلية لخط ما يعرف ب 8 آذار، وفي الوقت عينه لدي الكثير من التحفظات والعتب على ما يعرف ب 14 آذار لأني ما ظننته يوماً خلاصاً فعلياً وقناعات ما لبثت أن انهارات أمام الكثير من المحطات”.

تحمّل الطبقة الحاكمة مسؤولية ما آل اليه البلد، آسفة على أنها اضطررت للسفر من أجل تأمين أمان نسبي لطفلتها خوفاً من ان تعيش الأخيرة ما عاشته هي. وبين دبي وبيروت تتنقل الصحافية حاملة ابنتها ومهامها: “قتل والدي وانا بعمر 9 أشهر، كثيراً ما أخاف أن تفقدني ابنتي في الحقد المتبادل في هذا البلد”. لا تتحمّل موت انسان بريء على حد قولها، كما تشكّل الاغتيالات صفعة نقسية كبيرة لها “لا أدري أعتقد اني افكر مباشرة بأطفال من تم قتله أو اغتياله”. علاقتها بلبنان وثيقة، “أرفض أن يُعامل البلد على أنه شقة مفروشة، أريد لابنتي أن تحب كل شبر بهذه الارض أن تفتخر بالجنوب والبقاع وطرابلس”، وتوضح: “أنا اعتبر نفسي ناضلت حتى داخل عائلتي التي تنتمي بشكل صريح للأحزاب المسيطرة بالطائفة، رفضت التصنيفات ولا أزال أرفضها، لم أنتخب يوماً إلاّ بورقة بيضاء، رغم كل المحاولات لأن أنتخب اللوائح المعلبة”، وتضيف ساخرة “ولكن بقدرة قادر كانت تختفي هذه الاوراق من صناديق الاقتراع، وتظهر الاحصائيات من منطقة الزهراني بأن لا أوراق بيض”.

يؤسفها أن الصحافة تركّز على السياسة أكثر بكثير من المشكلات الاجتماعية، وانه يتم التعامل مع المشكلات الأخيرة وكأنها  موضة، فلا يتناول الاعلام قضية ما الا اذا وقع حادث مفجع، اي على وقع الصدمة كملفات الاغتصاب او القتل وغيره. شغفها يكمن في التحقيقات والتحقيقات الاستقصائية وتعتبر أن لا موضوعية في الاعلام بشكل عام إلاّ أنه من مسؤولية الاعلاميين على الاقل المحافظة على المهنية، وتقول: “لم احوّر ولم اتلاعب بالمعلومات، بل كنت دائما اتلقىّ اتصالات شكر ممن كتبت عنهم رغم أني أكتب من دون مراعاة لأحد. تناولت تحقيقاتي بشكل ام البيئة التي أعرفها عن قرب من الضاحية إلى الطائفة الشيعية، إلاّ أني لم أُجرّح يوماً بالانسان كانسان، كما أني لم أغط خطئاً عاينته، لا من أجل حزب ولا مسؤول”

اليوم مع ابنتها ترى أنها لم تعد تملك الجرأة السابقة في معالجة المواضيع “بتّ أحسب الحسابات، خوفاً عليها وليس على نفسي، فلا نفع لنجاحي بنظرها إذا لم أكن موجودة، هذا ما كتبته يوماً عن والدي قلت ” بابا! يتحسرون لأنك لم تكن تحمل سلاحك يوم غدر بك قاتلك وإلا كنتَ قتلته حتى ولو متّ في النهاية. ويمنون أنفسهم بأنك سقطّت شهيداً، أما أنا فارى أنك لو لم تحمل سلاحاً يوماً فلربما كنتَ معي اليوم”.

وبعيداً عن اليتم المؤلم، بنت تيما عائلة مترابطة، تتمنى أن تستطيع أن تصل لما تطمح اليه في عمر يخوّلها الاستمتاع بنجاحها،  تقول انها درست الصحافة صدفة وعملت في جريدة الحياة بالصدفة. إلاّ أن شغفها بالمهنة أدى إلى فوزها بجائزة أفضل تحقيق استقصائي لعام 2007 عن تحقيقها حول مكتومي القيد في لبنان. في مسابقة تأتي من ضمن برنامج تدريب المهارات الإعلامية بالتعاون مع مؤسسة طومسون في بريطانيا وبتمويل من وزارة الخارجية البريطانية، ومن ثم جائزة التفوق الاعلامي عن التحقيق نفسه.

ترى أن الصحافة مهنة تأخذ أكثر بكثير ممّا تعطي، على الاقل لمن يؤمن أنها رسالة حقيقة، وليست تجارة وبيع مواقف، من هذا المنطلق تصف المهنة بغير الوفيّة لإعلاميين متعطّلين، رغم انهم يستأهلون أعلى المناصب الاعلامية. بوصلتها بالعمل، “احترم اسمي ولو على ستايتس فيسبوكية أو تويت، كل ما أكتبه إذا لم أكن اتحمّل مسؤوليته لا يمكن أن يصدر عني، ولدي الجرأ على الاعتذار في حال تطلّب الامر ذلك”.

تختم حديثها: “نعم. عُرض عليّ العمل في اماكن اخرى، لكن صحيفة الحياة تحميني من المهاترات السياسية الداخلية في البلد، هي أقرب إلى فضائية”. وتستدرك قائلة: “على الاقل في هذه المؤسسة يحترمون الانسان لعمله واعطاءاته، ولا يصنفونه أو يحملون وزر طائفة وُلد في كنفها من أجل بعض الممارسات من الافرقاء المسيطرين عليها، كما هو حاصل الآن في كثير من المؤسسات والبلدان للأسف”.

السابق
مقتل مواطن وجرح آخر في حوش الحريمي ليلاً
التالي
المقداد: بعض المستنكرين لتفجير السفارة برر قتل أطفال سورية