الحريري – نصرالله: عودة الى المربّع الأول

على رغم تكتم رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وأوساطه على طبيعة محادثاته الأخيرة في الرياض، فقد جاء خطابا الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في ذكرى عاشوراء وردّا الرئيس سعد الحريري السريعان عليهما ليكشفا انّ سليمان لم يحقق في تلك المحادثات تقدماً يُذكر على صعيد تأليف حكومة جامعة، ما يعني انّ على الرئيس المكلف تمام سلام الاستمرار في الانتظار، وعلى الرئيس نجيب ميقاتي الإستمرار في تصريف الاعمال حتى إشعار آخر.

ولقد كان واضحاً من خطابَي السيد نصرالله أن سليمان سمِعَ كلاماً في الرياض يفيد أنّ عليه وسلام التريث في تأليف الحكومة، لأنّ الإتفاق الاميركي – الايراني الموعود سيأتي على حساب “حزب الله” كما وعد الاميركيون حلفاءهم في المنطقة.

وجاء ردّا الحريري السريعان على خطابَي نصرالله ليكشفا انّ الامور قد عادت الى المربع الأوّل، وانّ تيار “المستقبل” وحلفاءه ليسوا مستعدين للمشاركة في حكومة تغطي مشاركة “حزب الله” في القتال على الاراضي السوريّة.

وقد لاحظ مراقبون أنّ شروط الحريري وحلفائه تتبدّل ولكن الموقف من حكومة جامعة لم يتبدّل. فبعد أن كان السلاح والمعادلة الثلاثية (الجيش والشعب والمقاومة) هما الذريعة للامتناع عن المشاركة في تلك الحكومة، يطرح هؤلاء الآن شرطاً جديداً يدركون تماماً استحالة تحقيقه في الظروف الراهنة.

وفيما يعزو بعض المراقبين هذا الشرط الجديد الذي اعتبره السيد نصرالله “تعجيزياً”، الى كلام وزير الخارجية الاميركية جون كيري الأخير في الرياض عن عدم السماح لـ”حزب الله” برسم مستقبل لبنان، يعزو آخرون هذا الشرط ايضاً الى محاولة لوقف ما اصطُلِح على تسميته “معركة القلمون”، والتي ظنّ كثيرون أنه قد تمّ تأجيلها لكي لا تعرقل انعقاد مؤتمر “جنيف – 2”.

من جهة ثانية، فإنّ بعض السياسيين يعزون ارتفاع حدّة الخطاب المتبادَل الى احساس السيد نصرالله “بفائض من الثقة” نتيجة التطورات السياسية والميدانية الأخيرة في دمشق، فيما يفسّرون ردّ الحريري بأنه “محاولة لرفع المعنويات”، والتأكيد أنّ الأمور ما زالت على حالها، وأنّ الحرب في سوريا سِجال فيها كَرٌّ وفَر، وأنّ ما حققه الجيش السوري من تقدّم قد يَفقده في المستقبل، خصوصاً أنّ الاوساط السياسية والاعلامية تتحدث عن تزويد مسلحي المعارضة في شمال سوريا وجنوبها اسلحة نوعية، ولا سيما منها الاسلحة المضادة للطائرات التي سارع مسلّحون في طرابلس الى استعراضها أمس في شوارع عاصمة الشمال.

ويشير هؤلاء السياسيون الى انّ كلّ ما قيل عن تغييرات في الموقفَين التركي والقطري ليس دقيقاً وهدفه رفع معنويات النظام وأهله في سوريا وخارجها. لا بل يذهب أحدهم الى التأكيد أنّ مصير مؤتمر “جنيف -2” نفسه ما زال متعثراً، وأنّ الاتفاق الايراني – الغربي ما زالت تهدّده معارضة قوية داخل الكونغرس الاميركي، الى درجة أنّ الرئيس باراك اوباما نفسه قد أعلن أنّ البديل من الاتفاق مع إيران هو الحرب، مدركاً أنّ الرأي العام الاميركي بغالبيته بات رافضاً أيّ حرب جديدة تتورّط فيها بلاده.

وفي هذا الوقت الضائع بين التطورات الميدانية والسياسية التي تشهدها سوريا والمنطقة، وبين تحديد موعد لانعقاد مؤتمر “جنيف – 2” فإنّ واشنطن لا تمانع في تصعيد قد يحسّن شروطها التفاوضية في الملفَين الايراني والسوري، فيما تحرص دمشق على أن تملأ هذا الوقت الضائع بإنجازات ميدانية تشهدها منطقة حلب وريفا حمص ودمشق، بالاضافة الى ما يجري في جنوب سوريا.

فهل تحقق دعوة موسكو الائتلاف السوري المعارض لزيارتها والبحث في مؤتمر “جنيف – 2” والمتزامنة مع زيارة عاجلة لوفد سوري رفيع المستوى للعاصمة الروسية يضمّ المستشارة الرئاسية بثينة شعبان ومعاون وزير الخارجية فيصل المقداد، اختراقاً في الجهود المبذولة لعقد هذا المؤتمر الدولي؟ أم أنّ تحقيق تقدّم ملموس ليس سهلاً؟

ربما يُجري سليمان وسلام قراءة دقيقة لمجمل هذه التطورات ويحسبان بدقة المخاطر التي ينطوي عليها كل خيار من الخيارات المطروحة، إذ إنّ ظهور السيد نصرالله شخصياً في مراسم عاشوراء ومسيرتها وجّه رسائل عدة في اتجاهات عدة، أولها إثباته انّ معادلة “الشعب والجيش والمقاومة” ليست ضرورية لحماية الامن القومي للبنان فحسب، بل إنها ايضاً قادرة على حماية الامن الداخلي، خصوصاً على مدى أيام عاشوراء العشرة التي رافقتها تهديدات على كل المستويات اطلقتها اجنحة المعارضة المسلحة ضدّ “حزب الله” ومسيراته العاشورائية على غرار ما تشهده المسيرات المماثلة في غير بلد عربي واسلامي.

لكنّ الرسالة الأكثر بلاغة هي أنّ القيّمين على أمن السيد نصرالله باتوا يدركون أنّ المقاومة قد دخلت في معادلة جديدة للردع في مواجهة إسرائيل، وإنّ التهديدات التي كانت تمنعه من الخروج الى جمهوره مباشرة، إلاّ نادراً وسريعاً، لم تعد ذي بال لأنّ المقاومة باتت قادرة على الرد على أيّ عدوان اسرائيلي بأقسى ما يكون الرد.

ويعلّق قريبون من السيد نصرالله على ما يجري مؤكدين أنه “يُفكِّر استراتيجياً وعلى مستوى المنطقة، فيما خصومه غارقون في تفاصيل محلية لا تُسمن ولا تُغني من جوع، وأنّ مهمتهم هي إرباك الرؤية الاستراتيجية للمقاومة وحلفائها أكثر من أيّ شأن آخر”.

السابق
لبنان في محفظة خامنئي
التالي
الملف النووي الإيراني.. هل من نهاية؟