الملف النووي الإيراني.. هل من نهاية؟

رغم الكلام الصادر عن المجتمعين في جنيف (نشر في الإعلام) وإيجابيته, وخصوصاً نتائج المفاوضات حول الملف النووي الإيراني, يمكن القول إن مجموعة “الخمس زائد واحد” دائمة العضوية في مجلس الأمن, بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة, زائد ألمانيا, أخفقت مرة أخرى في التوصل إلى مسوَّدة اتفاق أولي مع إيران حول ملفها النووي العالق منذ عقد من الزمن, أي منذ اكتشاف أن أهداف برنامجها لتخصيب اليورانيوم كانت مبهمة وغير واضحة حتى الساعة, رغم إصرار طهران على سلميته وكونه مخصصاً لأغراض مدنية تتعلق بإنتاج الكهرباء أو لأغراض طبية أخرى.
ومنذ بدء هذه المفاوضات حتى اليوم ونحن لا نزال نسمع “اللازمة” ذاتها في نهاية كل جولة, كالتي جاءت منذ يومين على لسان كبيرة المفاوضين في جنيف كاثرين آشتون خلال مؤتمرها الصحافي المشترك مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف, حين قالت: “تم تحقيق تقدم كبير وملموس, إلا أنه لا يزال هناك بعض الخلافات العالقة”.
بيد أن ما سمته آشتون “بعض الخلافات” لا يبدو بالأمر اليسير أبداً, بل يمكن تسميته بالخلافات الجوهرية والرئيسية, وذلك تبعاً لما صرح به رئيس الوزراء الفرنسي السابق لوران فابيوس الذي عمد إلى كشف تفاصيل المحادثات, رغم أنها من المفترض أن تبقى سرية إلى حين استكمال المفاوضات المقبلة في جنيف يومَي 20 و21 نوفمبر الجاري. واستغربت صحف بريطانية هذا التسرع من قبل الدبلوماسي الفرنسي, موضحة أن “ما من أحد توقع إقدام فابيوس على هذا التصرف”.
 تفسير ما ورد على لسان فابيوس جاء من باريس, وهو أن المشكلة تنحصر في موقع “أراك”, الذي من المفترض أن يبدأ إنتاجه في الربيع المقبل, وهو مفاعل يعمل بالمياه الثقيلة ومعد لإنتاج البلوتونيوم, وهي المادة التي تمكِّن مع اليورانيوم المخصب بنسبة 90 في المئة من إنتاج القنبلة الذرية. وتعتبر باريس أن السماح لإيران بالمضي في إنشائه وصولاً إلى الربيع المقبل قد يشكل خطورة فائقة, حيث يصبح من المتعذر مهاجمته وتدميره, بسبب احتمال تسرب الإشعاعات في إيران وإلى بلدان الجوار كافة, ما يذكر بكارثة تشرنوبيل. وتطالب باريس ليس فقط بالاكتفاء بزيارات مفتشي “الوكالة الدولية للطاقة النووية” موقع “أراك” ولكن أيضاً باتخاذ الإجراءات الضرورية كافة حتى لا يتم تشغيله بشكل نهائي, كما لم تغفل باريس نقاطاً إيرانية أخرى لا تقل خطورة عن “أراك”, مثل “ناتانز” و”فوردو”.
ما حدث بعد ذلك, جاء ليؤكد المخاوف الفرنسية, كانت المواقف المتشددة التي أبداها روحاني فور عودته إلى بلاده, حيث أعلن أمام مجلس الشورى أن بلاده لن تتخلى عن “حقوقها النووية”, وقال -وفق تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الطلابية-: “هناك خطوط حمر يجب عدم تجاوزها”, مضيفاً “أن حقوق الأمة الإيرانية ومصالحنا الوطنية تشكل خطاً أحمر, وكذلك الحقوق النووية في إطار القوانين الدولية, وذلك يتضمن التخصيب (اليورانيوم) على الأرض الإيرانية…”, وهي تصريحات بدت وكأن روحاني أراد من ورائها حين عاد إلى بلاده, ضرب كل أجواء التفاؤل التي اتفقت على إظهارها الدول الست المشاركة في المفاوضات عرض الحائط.
وإذ أبدت الولايات المتحدة على لسان وزير خارجيتها جون كيري تفهمها القلق الفرنسي, يبقى القول إن الموقف الفرنسي عرى الموقف الأميركي من ورقة التوت وأظهرها عاجزة وخالية اليدين, بعد أن عمدت إلى تخفيض مستوى العقوبات, مصدقة الكلام المعسول الذي ورد على لسان روحاني في الفترات السابقة. زائد أن مستقبل هذه المفاوضات يلفه الغموض التام, على رغم كلام كيري التطميني ل¯”حلفاء الولايات المتحدة الأميركية” في المنطقة, ويعني دول مجلس التعاون الخليجي, ناهيك عن الحليفة الستراتيجية التقليدية إسرائيل. أما المرجح, فهو فشل جديد للمحادثات المقبلة أسوة بسابقاتها, فمحادثات كيري- ظريف المطولة جداً لم تتمكن من إحراز أي تقدم مهم, ولن تحقق, رغم ردِّ كيري ذلك إلى أجواء عدم الثقة المسيطرة منذ عقود بين إيران والغرب, أي منذ الكشف عن برنامج إيران النووي السري قبل عشر سنوات مضت.
أما اللافت, فكان موقف التفهم الصادر عن ظريف حيال الموقف الفرنسي, في قوله “أعتقد أننا نتوقع أن يكون لكل من أعضاء مجموعة “ثلاثة زائد ثلاثة” آراء خاصة بهم”, معرباً عن أمل في التوصل إلى اتفاق في الجولات المقبلة. كلام جميل وسلس كالعادة, ولكن يمكن القول -كما لا يخفى على أحد- إن طهران ستكون في المحصلة الرابح الأكبر من هذه المفاوضات, المنوي استكمالها في غضون الشهر الجاري, فهي من ناحية كسبت تخفيضا لمستوى الحظر عن صادراتها النفطية وعن قطاعها المصرفي, كما كسبت مزيداً من الوقت يخولها إتمام برنامجها في إنشاء محطة “أراك”, وهو ما دفع الجانب الإسرائيلي إلى تبيان امتعاضه, حيث أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي عن مخاوف حقيقية في إسرائيل من استطاعة إيران في نهاية المطاف الحصول على أسلحة ذرية تعرض وجودها للخطر, كما لم يخف نية بلاده في مهاجمة المواقع النووية الإيرانية في ظل سياسة التراخي الدولي حيال مسألة تخفيض العقوبات, ناهيك بإعطاء المزيد من الوقت لطهران لإنهاء برنامجها النووي. وكان نتنياهو صرح في وقت سابق بأن إيران “حصلت على صفقة القرن من دون أن تقدم أي شي في المقابل”.
بكلام آخر: في حال فشل المفاوضات المنوي انعقادها في 20 و21 من الشهر الجاري, قد تصبح الضربة الإسرائيلية أكثر احتمالاً, ولن تلتزم إسرائيل عندها بالموقف الأميركي المتسم بالميوعة والتردد حيال طهران. كيري, وفي إشارة إلى الخيار العسكري الإسرائيلي, قال إن “العالم يرغب في أن يعرف أنه الملاذ الأخير وليس الخيار الأول”.
السابق
الحريري – نصرالله: عودة الى المربّع الأول
التالي
قالت لي زوجتي…