الحملة النسويّة لرفع سنّ الحضانة: أين حقّ الرجل؟

الحضانة
بينما تتبارى الحملات النسويّة في عرض مظلومية المرأة في الميادين كلّها، وإبراز ذكورية الرجل على أنّه "المهيمن"، خصوصا في ما يخصّ حضانة المرأة لولدها بعد طلاقها، فإنّه من الأجدى المطالبة بإيجاد جهاز للتحقيق الاجتماعي يفصل في حالات النزاع حول الأطفال.

لاشك أن من حقّ المرأة التمتع بالأمومة على وليدها، وإن تطلّقت. وإذا كان شرع الطائفة الشيعية ما زال يتبع القانون العثماني القديم في الأحوال الشخصية، الذي يحدّد سن الحضانة للأم بسنتين للذكر وسبع سنوات للأنثى، فإنّ الواقع يفرض دون شك تعديل هذا القانون الذي لا ينصف المرأة.

غير أن ما يحكى عن مطالبة إحدى حملات الضغط التي تقودها أمهات مطلقات برفع سنّ الحضانة إلى 12 سنة للذكر والأنثى على حدّ سواء يطرح سؤالاً صارخاً: أين حق الرجل في الأبوّة؟

هنا نعود الى الصبغة العامة التي تطبع الحركات النسويّة في بلادنا، التي تفترض أن الرجل هو الطرف الشرير المغتصب لحقّ المرأة دائماً، وأنه حين وقوع الطلاق، فإنّ الحق دائماً إلى جانب الزوجة المطلّقة، والزوج يكون بالضرورة، هو الإنسان الأناني الذي طلّق زوجته ليستمتع مع امرأة أخرى. كما لو أنّه “أكلها لحمة ورماها عظمة”، أو أنّه لا يطاق بسبب غيرته ونكده.. الخ الخ الخ

هي هكذا: مجموعة من الأفكار النمطية التي تصوّر الرجل على أنّه الظالم والمرأة على أنّها المظلومة الضحية.

لكن إذا أردنا التمعّن في القضية بشكل موضوعي فإنّ حق الرجل، في ظلّ المطالبة برفع سن حضانة المرأة لولدها إلى 12 عاماً، سوف يسقط ليحكم الأمر الواقع. فكيف سيقبل الطفل، الذي شبّ وبدأ يدخل مرحلة المراهقة، أن يأتي والده، “الغريب” بحكم ابتعاده عنه، أن يأتي وينتزعه من حضن أمه، هي التي ربّته 12 عاماً وغرست فيه عاداتها وأفكارها، وشحنت عقله بكل ما تعتقده هي أنه حق وباطل في قضية انفصالها عن والده.

لا شكّ في أن هذا الطفل موضوع الحضانة لن يقبل أباه، وإن كان الأب ملاكاً مظلوماً لا ظالماً. فالقصة سمعها من طرف واحد ولا يسمح عقله بالتفكير والتمييز بعد في هذا السنّ. ولا ننسى أنّ مجتمعاتنا لا زالت متخلّفة عن العادات والقوانين الاجتماعية الغربية. إذ أنّ الطلاقات في المجتمعات الغربية تكون الدولة طرفا فيها، بمؤسسات ومرشدين إجتماعيين ونفسيين، ما يجعل الطلاق أن يكون راقيا ومراقبا، ويبعد الأطفال عن كل ما يسيء الى علاقتهم بأحد والديهم، كي يحترم ويحب والديه المطلقين دون تمييز.

هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى، فانه في الدول المتقدمه، هناك تطور في أجهزة الدولة الرسمية التي تقوم بالتحقيق الاجتماعي حول كلّ حالة على حدة، من أجل تكوين فكرة عامة صحيحة تسمح بالحكم والتمييز حول أيّ الوالدين أحقّ برعاية الطفل وتربيته والعيش معه. في لبنان هذا الجهاز لم يشكّل، بعد، وقسم التحقيق الاجتماعي غير موجود في وزارة الشؤون الاجتماعية، أو في المحاكم الشرعية. وبالتالي فإنّ أي قانون موجود حالياً يطبّق بشكل اعتباطي دون دراسة ولا دراية.

بعد كلّ ما سبق فإنّ ما نقترحه على تلك الحملات النسوية، وحملة رفع سن الحضانة تحديداً، أن تتوجّه بمطلب إلى وزارة الشؤون الاجتماعية من أجل إنشاء “قسم التحقيق الاجتماعي”، كجهاز موكل بدراسة الأهلية القانونية والنفسّية والاجتماعية للوالدين صاحبي الشأن، وأن يدرس كلّ حالة على حدة، من أجل إصدار الحكم الصحيح بحقّ الحضانة لأي من الطرفين وبشكل عادل دون الأخذ بعين الاعتبار التدخلات الفوقية الذكورية، ولا لحملات إعلامية نسويّة تنظر بعين واحدة.

السابق
فضل الله يدعو إلى الإستنفار ووزارة الاتصالات مستمرة في عملها
التالي
خارجية روسيا: ممثلو المعارضة السورية مهتمون بلقاءات موسكو