أوباما لسليمان: العدوى السورية تجعل الجوار دولاً مارقة

في اجتماعَي قصر بعبدا، جدد رئيس الجمهورية ميشال سليمان تأكيده ضرورة تجاوز البعد المالي لمشكلة اللاجئين السوريين ووجودهم في لبنان في مهمة «مجموعة الدعم الدولية للبنان» إلى ما بات أدهى، وهو تدفق أعدادهم على نحو أضحى يتخطى إمكانات هذا البلد في استيعابهم، ومقدرته على السيطرة على الملف سياسياً وأمنياً واجتماعياً ومالياً.
نجح اجتماع نيويورك في 25 أيلول في انتزاع مكاسب ديبلوماسية مهمة للبنان في التحضير لـ«مجموعة الدعم الدولية» وبرنامج عملها. حظي بتأييد أميركي وروسي. الأول مثله حضور وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ترافقه مساعدته إليزابيت جونز الاجتماع قرابة ساعة، والثاني وعد قطعه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في حضور الاجتماعات التالية. لم يتردد كيري في القول إن دولاً أوروبية عدة أبلغت إليه عتبها لعدم دعوتها إلى اجتماع نيويورك، بينما اتخذ لبنان فيه موقفاً لافتاً، هو أنه لن يستدين في سبيل مواجهة أزمة اللاجئين السوريين.
كان ثمة ما سمعه لبنان هناك من مسؤولين أميركيين بارزين شاركوا في اجتماع نيويورك، وهو أن على روسيا أن تبقى في صلب «مجموعة الدعم الدولية» شريكاً أساسياً، فضلاً عن توقع المسؤولين الأميركيين من الجيش اللبناني الاضطلاع بمسؤولية أكبر في حفظ الأمن في البلاد، وخصوصاً الأمن الداخلي. وأسرّ هؤلاء إلى محدثيهم اللبنانيين أن حزب الله الذي تورّط في الحرب السورية إلى أبعد مما كان يعتقد، سيتقبّل حتماً هذا الدور للجيش.
بيد أن إحياء «مجموعة الدعم الدولية للبنان» لم يحجب بضعة تقارير ديبلوماسية تحدثت باستفاضة عن الجانب الآخر من زيارة رئيس الجمهورية نيويورك، وخصوصاً اجتماعه بالرئيس الأميركي باراك أوباما في اليوم السابق لاجتماع نيويورك، 24 أيلول، والانطباعات التي خرج بها مطلعون عن قرب على نتائج لقاء الرئيسين، ومداولاتهما التي تناولت أكثر من ملف بما فيها اجتماع «مجموعة الدعم الدولية».
وتبعاً لما تضمنته عن خلاصات اجتماع أوباما وسليمان، أبرزت التقارير الديبلوماسية معطيات مهمة:
أولها، أنها المرة الثانية التي يستقبل فيها رئيس أميركي رئيساً لبنانياً في نيويورك على هامش أعمال الدورة العادية للجمعية العمومية للامم المتحدة. كانت السابقة في 24 ايلول 1991 عندما استقبل الرئيس جورج بوش الاب الرئيس الياس الهراوي يرافقه رئيس المجلس حسين الحسيني ورئيس الحكومة عمر كرامي، بعد إلقاء الهراوي كلمته في الجمعية العمومية، وكانت الاطلالة الدولية الاولى للبنان على العالم الخارجي في مرحلة ما بعد وضع اتفاق الطائف موضع التنفيذ.
مذ ذاك حتى 24 ايلول المنصرم لم يلتق رئيس اميركي نظيره اللبناني، علماً أن الهراوي الذي تحدث في 23 نيسان 1996 مجدداً أمام الأمم المتحدة على أثر عملية «عناقيد الغضب» الاسرائيلية لبى دعوة الرئيس بيل كلينتون في اليوم التالي 24 نيسان للاجتماع به، لكن في واشنطن.
انطوى لقاء اوباما وسليمان بذلك على اهمية خاصة، عكست لفتة الرئيس الاميركي الذي يكتفي في الغالب، عندما يشارك في اجتماعات المنظمة الدولية، بأن يقصر زيارته نيويورك على يوم واحد لإلقاء كلمته واستقبال رؤساء الوفود المشاركة في اعمال الدورة العادية، ثم يغادر. لكنه يحرص باستمرار على استقبال زواره في البيت الابيض في واشنطن، ما خلا لقاءات يعدها استثنائية كرهانه على الاجتماع بالرئيس الايراني حسن روحاني في نيويورك اخيراً.
ثانيها، عكس الاطار الشكلي لاجتماع الرئيسين مضموناً مهماً بدوره، هو اهتمام واشنطن بالحرب السورية وقلقها من انتقال تداعياتها وفوضاها الى دول الجوار السوري، وتعريضها لفوضى مماثلة تضعها في مصافّ دول مارقة، ما يحيل هذه عبئاً على الأميركيين والمجتمع الدولي في آن واحد، الأمر الذي حمل اوباما في اجتماعه بسليمان على تأكيد تقديره لدوره في معالجة آثار الحرب السورية على لبنان، وموقفه كذلك من استقبال اللاجئين السوريين.
عكَسَ هذا الشق ايضاً الوفد الاميركي المرافق لاوباما الى الاجتماع وضم مفاتيح ادارته: وزير الخارجية جون كيري، والمندوبة الدائمة لدى الامم المتحدة سامنتا باور، ومستشارة الرئيس لشؤون الامن القومي سوزان رايس، ونائبة مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الادنى ويندي شيرمان. اضف ان الرئيس اللبناني استقبل في اليوم التالي وزير الدفاع تشاك هيغل.
ثالثها، أكد المحاور الاميركي لنظيره اللبناني ان المجتمع الدولي يقتضي ان يدعم لبنان مالياً، وان الولايات المتحدة ارادت ابراز هذا الموقف من خلال اجتماع الرئيسين. كذلك شدد على ان واشنطن تدعم بقوة الجيش اللبناني وتريد ان تراه قوياً، وليست المساعدة التي خصصتها له بقيمة 8 ,7 مليون دولار التي اعلن عنها سوى مساعدة جديدة و«إضافية» على تلك التي تخصصها في الغالب دورياً للجيش. كذلك اظهر الجانب الاميركي اهتماماً مماثلاً بالإعلان عن 74 مليون دولار مساعدة للاجئين السوريين، وهي المساهمة الدولية الأكبر حتى الآن يحوزها لبنان من دولة واحدة في سبيل هذه المهمة.
رابعها، تأكيد واشنطن استمرار دعمها الاقتصاد اللبناني وحض البنك الدولي على ان يخطو بإجراءاته في هذا النطاق. الا ان الوفد الاميركي اكد الابقاء على السياسة التي لا تزال تتبعها الادارة من حزب الله، سرعان ما اظهرها كيري في الاجتماع عندما دعا الحزب الى الانسحاب فوراً من الحرب السورية، مشيراً الى انه يقتضي بالجيش اللبناني ان يكون القوة العسكرية الوحيدة على الاراضي اللبنانية.
ولفت المحاور الاميركي الى ان ادارته متنبهة تماماً لاستقرار لبنان وتريد باستمرار ان تبدي حرصها عليه، لكنها تتفهم في المقابل مقتضياته من دون اي تلميح الى حزب الله. وهي اشارة ضمنية الى دور الحزب في السلطة والمعادلة السياسية ومشاركته في الحكومة. وطلب من لبنان تسديد المبالغ المترتبة عليه لتمويل المحكمة الدولية الخاصة به. لكن اهتمامه بمساعدة الاقتصاد لم يحل دون تأكيد الوفد الاميركي لمحاوريه ـ في تلميح ذي دلالة ـ الى ضرورة التنبه الى وضع المصارف اللبنانية وعملها.
خامسها، تحدث المجتمعون في ملفات اقليمية اخصها ما تناوله الوفد الاميركي في تطرقه الى المفاوضات الاسرائيلية ـ الفلسطينية، مطالباً بأن تحظى بدعم عربي؛ لأن حل المسألة الفلسطينية يوفر على المنطقة مشكلات جمة.
وتكلم الرئيس الاميركي على الحرب السورية، وفاخر بأنه أنجز اتفاقاً بتجريد سوريا من السلاح الكيميائي من دون اطلاق رصاصة واحدة.
سادسها، أُثير دعم الجيش في الاجتماعين مع الرئيس الاميركي ووزير الدفاع، وتحدث الرئيس اللبناني عن خطة لتجهيز الجيش بما يوازي ملياراً و600 مليون دولار، آملاً من الدول الداعمة أن تجتمع كي تخوض فيها، وقال انه يرغب في ان تكون اوروبية، وان تستضيف هذا الاجتماع احدى دولتين هما فرنسا او ايطاليا. لم يعقب المحاور الاميركي ايجاباً أو سلباً على اقتراح رئيس الجمهورية الذي كان قد طالب هيغل في اجتماعهما طوال 45 دقيقة باستعجال ارسال المساعدات العسكرية الى الجيش اللبناني، راغباً في أن تكون متطورة.

السابق
هل تسرّع مواقف جنبلاط تشكيل الحكومة أم تلغيها؟
التالي
فلسطينيون يطلبون العمل تحت سقف جلّاديهم