صبرا وشاتيلا: حبيقة البطل.. جعجع المجرم

سمير جعجع و ايلي حبيقى
فكيف تغيّرت صورة بعض السياسيين من مجرمين وقتلى إلى أبطال، في حين بقيت صور آخرين سيئة لدى فريق كبير من اللبنانيين؟

لماذا سمير جعجع مجرم بالنسبة إلى جمهور 8 آذار، وإيلي حبيقة مات شهيدا وبطلا مقاوما ممانعا؟ لماذا فايز كرم “بيمرق” لدى هذا الجمهور وبشير الجميّل يتغزّل الحاقدون لقاتله حبيب الشرتوني؟ لماذا “كلّ من معنا هو وطني وكلّ من ضدّنا هو عميل”، لسان حال هذه البيئة؟ ولماذا يقول أحد عناصر حزب الله على الفايسبوك، جاد عيسى: “نحن مش مقاومة…نحن المقاومة…نحن لي منعطي دروس وشهادات لكل المراحل والمستويات والاختصاصات بالمقاومة”؟

هل يتضمّن السجل العدلي لزعمائنا السياسيين عبارة “لا حكم عليه”؟ وهل يطلب أحد منهم سجلا عدليا نظيفا قبل التقدّم إلى “الوظيفة الرسمية” التي يقبضون راتبها من الضرائب على الناخبين؟

السؤال لأنّ معظم السياسيين اللبناني ارتكبوا، أو شاركوا أو خططوا أو سكتوا عن، مجازر وجرائم (مالية أو دموية أو معنوية) في حق مواطنين لبنانيين. ورغم كل ذلك، تسلم معظمهم مراكزا ومواقعا في السلطة بدءا من رئاسة الجمهورية وصولا الى أصغر وظيفة في الإدارات العامة.

فكيف تغيّرت صورة بعض السياسيين من مجرمين وقتلى إلى أبطال، في حين بقيت صور آخرين سيئة لدى فريق كبير من اللبنانيين؟

في 13 حزيران 1978، إرتكبت “القوات اللبنانية” بقيادة سمير جعجع مجزرة إهدن، فقتلت زعيم تيار “المردة” طوني فرنجية وعائلته، وعددا كبيرا من أنصاره. بعدها اغتيل رئيس الحكومة اللبنانية رشيد كرامي في حزيران 1987، إثر تفجير طائرة كان يستقلها. وأدين جعجع بتدبير الاغتيال وحكم عليه بالإعدام ثم بالسجن المؤبد في 1994 قبل أن يطلق سراحه عام 2005 بعد إنتفاضة الاستقلال.

وفي 16 ايلول يكون قد مر 31 عاما على مجزرتي صبرا وشاتيلا، التي شنها كل من “القوات” بقيادة ايلي حبيقة، وحزب “الكتائب”، بغطاء اسرائيلي، وراح ضحيتها عدد كبير من اللبنانيين والفلسطينيين القاطنين في هذين المخيمين. ومع ذلك تم تبريرها باعتبارها ردا على اغتيال الرئيس بشير الجميل. ورغم فظاعتها كوفىء مرتكبوها بمناصب وزارية ومنها تعيين حبيقة وزيرا في حكومة الرئيس رفيق الحريري، وانضم بعدها الى فريق سياسي موال لسوريا، وبات بطلا كأنه لم يقتل 3500 مدني ذات ايلول 1982.

الصحافي شارل جبور يعتبر ان “لكل مرحلة مبرراتها وظروفها، إلا ان صورة جعجع لم تتغير لانه دائما ما يكون في موقع دفاعي وليس هجوميا، في حين حبيقة، رغم ارتباطه مع الاسرائيلي، في تلك الفترة غيّر مبادئه وتلون، وانتقل الى المحور السوري وبالتالي بات مقبولا من “حزب الله” وحلفائه”.

وأضاف جبور في حديث لـ”جنوبية”: “جعجع لم يغيّر أفكاره، فهو يرى ان هناك مشكلة في سلاح الحزب ولا بدّ من مراجعة الاستراتيجيا الدفاعية المرتبطة به، وبالتالي هذا الامر، يؤثر في إبقاء صورته كمجرم”، بالنسبة الى جمهور 8 آذار.

وأردف جبور: “أجزم لو قام جعجع في هذه المرحلة السياسية بتغيير مواقفه لصالح حزب الله كان تحوّل الى بطل وطني، وبات أهم من ميشال عون والتيار الوطني الحر”. معللا: “مشكلتنا مع حزب الله تكمن في فرضه نظرية كل من هو معنا وطني، وبطل، حتى لو كان اسرائيليا، ومن ليس معنا يصبح عدوا وعميلا لاسرائيل حتى لو لم يكن كذلك.

وأشار جبور في حديثه الى أنّ “مرحلة الحرب تختلف عن مرحلة السلم، وبالتالي القوى المتحاربة لا تواجه بعضها بالصلاة والصوم بل بالسلاح والمواجهات، والمجازر”، وأضاف: “ما حصل في الماضي من السبت الاسود، وصبرا وشاتيلا، ومجزرة إهدن وغيرها من المجازر جميعها مدانة ومرفوضة، ولا يوجد اي مبررات لحصولها، ولكن جميعها لها علاقة بظروف الحرب”.

من جهة ثانية، اعتبر مسؤول مسيحي محايد خارج “القوات” و”الكتائب” و”التيار الوطني الحرّ”، أنّ “صورة حبيقة اختلفت بعدما بات طرفا مقبولا من السوري، ولكن عند معظم الناس المعتدلين لم تتغير، وفي الاساس لم يعمل على تغيير صورته ليصبح مقبولا عند كل الاطراف”. وأضاف، في حديث لـ”جنوبية”: “وفاة حبيقة والنسيان ومرور الوقت كانوا كفيلين في حصول هذا التغيير، لاسيما وان ذاكرة الناس آنية”.

وبالنسبة لذاك المسؤول، الذي طلب عدم ذكر إسمه، صورة الاجرام عند جعجع “لم تمح بشكل كامل ولكن بات له قبولا في الشارع المقابل بعد أن بدأ يتكلم بصورة مختلفة، تحليلية وواضحة حتى بات كلامه مقبولا بالنسبة لبعض الناس”.

وأضاف: “دخول جعجع الى فريق 14 آذار بعد استشهاد الرئيس الحريري في 2005، والانقلاب الذي حصل داخل الطائفة السنية، أكسبة موقعا متقدما ساعده في تغيير تلك الصورة ولو بشكل محدود، في حين هذه الصورة لم تتغير عند الفريق الآخر، بسبب الضغوط السياسية والاعلامية التي يقوم بها فريق 8 آذار، والتي تصرّ على وضع جعجع في خانة المجرم”.

إذا إيلي حبيقة، الذي كان يتقاضى راتبه من ضرائب مفروضة على عائلات الذين قتلهم في مجزرة صبرا وشاتيلا، نجح في انتخابات العام 2000 النيابية، وغفر له افعاله، وكأنه لم يفعل شيئا، فبالسياسية يمكن لكل شيء ان يتغيّر وتصبح مقولة “عفى الله عما مضى” هي الاساس في السياسة والتحالفات السياسية.

أما سمير جعجع، الذي دفع أكثر من 12 سنة من حياته في السجن عقابا على جرائمه، والذي خرج بصفقة سياسية أيضا بعد اغتيال الشهيد الحريري، إعتذر من ضحاياه منهم من قبل إعتذاره ومنهم من لم يفعل، وأبقى على عدائه وكرهه له او ربما لسياسته.

السابق
كنعان: هناك فوارق كبيرة بين ما اقترحته الحكومة وبين الواقع
التالي
جابر: مبادرة بري متكاملة و90 % من الكتل موافقة