الروسي الحامي والمحامي

ليس في اللعبة بين أميركا وروسيا على المسرح السوري ما يتقدم على حسابات المصالح وتسجيل الأهداف الاستراتيجية. لا تركيز المسؤولة في الأمم المتحدة فاليري آموس على المأساة الانسانية في سوريا، حيث وصل عدد النازحين في الداخل ودول الجوار الى سبعة ملايين، أي ثلث الشعب السوري تقريباً. ولا كون الحرب لا تزال أمام الجميع، وإن صارت الضربة الأميركية وراء المعارضين لها والباكين عليها. ولا حتى الإجماع على خطورة ما تقوم به التنظيمات المتطرفة الأصولية، مع التسليم بأن مخاطر التطرف والطابع الطائفي الذي يأخذه الصراع تزداد وتتصاعد بمقدار ما تستمر الحرب.
واللعبة لم تكتمل بعد، وإن حدثت نقلة كبيرة على رقعة الشطرنج ببراعة اللاعب الروسي وارتباك اللاعب الأميركي. فالاتفاق بين الوزيرين جون كيري وسيرغي لافروف على تفكيك الترسانة الكيماوية السورية هو إطار يحتاج تطبيقه الى اتفاقات وخطوات وقرارات أخرى، ويسمح ببروز خلافات حول تفسير بنوده. فضلاً عن انه اتفاق على ورقة واحدة ضمن ملف كبير وشائك هو مستقبل سوريا الذي تتداخل في إعادة رسمه قوى متعارضة على المستويات المحلية والاقليمية والدولية.
لكن الثابت أن موسكو مستمرة في أداء دورين متكاملين: دور الحامي للنظام ودور المحامي عنه. الأول ديبلوماسي عبر الفيتو في مجلس الأمن والذي منع الغرب من أي قرار ضد دمشق، وعسكري حيث الاستمرار في ارسال الأسلحة والذخائر تحت عنوان التنفيذ القانوني لاتفاقات موقعة في السابق. والثاني كان ولا يزال موضع متابعات يومية دقيقة آخرها ما ظهر بعد الاتفاق في جنيف. فحين سارع كيري ووزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ووزير الخارجية البريطاني وليم هيغ الى القول إن تقرير الخبراء الدوليين عن استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة يعزز موقفهم الذي يضع المسؤولية على النظام، رد لافروف بأنه لا أدلة ثابتة. وكرر الموقف الروسي القائل إن ما حدث هو عمل استفزازي قامت به المعارضة لتبرير التدخل العسكري الخارجي.
أكثر من ذلك، فإن لافروف قال إن الشركاء الغربيين المصرين على قرار من مجلس الأمن مبني علي الفصل السابع لم يفهموا محتوى الاتفاق الأميركي – الروسي. إذ ما يتطلبه الآن هو قرار عادي في مجلس الأمن يعطي شرعية للاتفاق. أما القرار الآخر، فإنه يتوقف على الامتناع عن تطبيق الاتفاق أو استخدام الكيماوي من جديد.
لكن اللاعب الروسي البارع يعرف أن المخرج الذي فتحه في الموضوع الكيماوي لمنع الضربة العسكرية أعطى الغرب في الوقت نفسه فرصة لتوسيعه وتوظيفه. فالدور الذي استعاده كشريك لأميركا يرتّب عليه مسؤوليات تتجاوز تطبيق الاتفاق الى العمل لوقف الحرب وترتيب حل سياسي لسوريا ديمقراطية تعددية مدنية. والامتحان له وللغرب قريب.

السابق
سليمان 2014، الجميل 1988
التالي
علماء صور: للحفاظ على وحدة لبنان