موسكو توبّخ إسرائيل وتُربك موقفها من سوريا

ربما يخلط الاقتراح الروسي بشأن سوريا الأوراق الإسرائيلية، فبرغم التصريحات المتكررة بعدم التدخل في ما يجري في سوريا، إلا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو كان قد قرر، على ما يبدو، تجنيد اللوبي الصهيوني «أيباك» لمساعدة الرئيس الأميركي باراك أوباما في مسعاه لنيل مصادقة الكونغرس على ضربة أميركية. وليس ذلك فقط، فقد وبخت روسيا رسمياً إسرائيل على إقدامها على إجراء تجربة مشتركة مع الولايات المتحدة لاختبار صاروخ فوق البحر المتوسط، معتبرة أن تكرار ذلك يضر بالوضع الأمني في العالم.
وبالتوازي مع ذلك كله، وبرغم التوتر القائم على خلفية احتمالات الضربة الأميركية لسوريا، وربما بسببها، أجرت إسرائيل مناورة عسكرية يوم أمس في هضبة الجولان السورية المحتلة.
وفور صدور التصريحات الواحد تلو الآخر حول الاقتراح الروسي، الذي يدعو سوريا إلى وضع ترسانتها الكيميائية تحت رقابة دولية، تنافست وسائل الإعلام الإسرائيلية على انتقاد الموقف الروسي وتحليله. ورأت القناة العاشرة الإسرائيلية أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلط أوراق أوباما من خلال اقتراحه، فيما رأى البعض أن الهدف الأساسي هو إحراج الرئيس الأميركي. أما القناة الثانية فنقلت عن الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز قوله إنه «لا يمكن الاعتماد على نزاهة السوريين ومصداقيتهم»، متوقعاً «مفاوضات صعبة جداً»، وذلك بالرغم من إعلان دمشق موافقتها على الطرح.
وفي المقابل، نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مسؤول إسرائيلي قوله إن ذلك يعتبر «الحل الأنسب بالنسبة لإسرائيل أيضاً»، مضيفاً أن «الجميع اليوم يلعب لعبته، ولكن من مصلحة الجميع، ومن بينهم إسرائيل، تدمير ترسانة (الرئيس السوري بشار) الأسد الكيميائية من دون الذهاب إلى الحرب».
أما صحيفة «جيروزالم بوست» فنقلت عن مسؤول أميركي أن واشنطن ستتجاهل الطرح الروسي، مشيراً إلى أنه «ليس هناك آلية محددة لتطبيقه»، على اعتبار أن «منظمة حظر الأسلحة الكيميائية» هي الوحيدة المخولة مراقبة الأسلحة الكيميائية ولكن فقط بالنسبة للدول الموقعة على اتفاقية الأسلحة الكيميائية، وسوريا ليست منها.
وكانت مواقع إخبارية إسرائيلية قد أشارت إلى أن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر بحث في اجتماعه الأحد الماضي محاولة روسية لمنع الهجوم الأميركي على سوريا عبر تسوية ديبلوماسية. وبحسب مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدأ حملة مكثفة مع الاتحاد الأوروبي والسوريين والإيرانيين في محاولة لبلورة اتفاق يبطل الهجوم الأميركي المحتمل، ويلزم الرئيس السوري بشار الأسد بإخراج السلاح الكيميائي من حدود بلاده. وأبدى المسؤول الإسرائيلي تقديره بأن مساعي بوتين لا تنال حتى الآن ثقة الإدارة الأميركية، التي تخشى أن غاية هذا التحرك هو منع الهجوم الأميركي لا أكثر.
وقال رئيس الطاقم السياسي الأمني في وزارة الدفاع الإسرائيلية الجنرال عاموس جلعاد «إنني سمعت بأذني الرئيس بوتين يقول إن روسيا ملتزمة بأمن إسرائيل. والروس أيضاً حازمون في دعمهم للنظام السوري أيضاً جراء خشيتهم من الإرهاب السني». وشدد جلعاد على وجوب عدم تدخل إسرائيل في الشأن السوري «لأننا إذا ترأسنا جبهة تنادي بإسقاط الأسد، فإننا نطيل عمره. هذا يوحّد القوى حوله. قسم من قوتنا هي الحكمة. والأسد هو المسؤول عن تشكيل محور الشر ونفوذ إيران في لبنان».
ومن الممكن القول إن الطرح الروسي خلط الأوراق الإسرائيلية، حيث إنه بدا مؤخراً أن إسرائيل حسمت أمرها وأوصت «أيباك» بالعمل لمصلحة موقف الرئيس الأميركي من سوريا في الكونغرس. وأشارت صحف إسرائيلية عديدة إلى أن أوباما بات يحظى على هذا الصعيد بتأييد نتنياهو خصوصاً، بعد مكالمات هاتفية بينهما طلب فيها أوباما العون من نتنياهو.
ونقلت هذه الصحف عن مسؤولين كبار قولهم إن نتنياهو شرع في الأيام الأخيرة بإجراء اتصالات مع رجال «أيباك» وحتى مع عدد من أعضاء الكونغرس لتوضيح مدى أهمية الضربة العسكرية الأميركية. ويتوقع أن يغرق 250 من رجال «أيباك» تلة الكابيتول قبيل التصويت على قرار الهجوم للضغط على أعضاء الكونغرس لتأييد الضربة. كما أن السفير الإسرائيلي المعين رون دريمر يوضح في واشنطن الموقف الإسرائيلي من الهجوم.
وفي سياق العلاقات بين إسرائيل وروسيا، نقلت الصحف الإسرائيلية عن وكالة «نوفوستي» أن نائب وزير الدفاع الروسي أناتولي أنطونوف استدعى الملحقين العسكريين الإسرائيلي والأميركي في أعقاب إطلاق صاروخ «أنكور» فوق البحر المتوسط، وطلب منهما «التزام ضبط النفس وتجنب الأفعال العسكرية أو التدريبات التي تضر بالوضع الأمني في المنطقة وفي العالم». ورفض المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي التعقيب على النبأ، مشيراً إلى أنه لا يعلق على «محادثات داخلية في إطار الديبلوماسية العسكرية». وقال مسؤول إسرائيلي إن «استدعاء الملحق العسكري للقاء توبيخ كان حدثاً استثنائياً جداً لم يسبق له مثيل في السنوات الأخيرة، على خلفية نشاط عسكري إسرائيلي».
وتزامناً مع التوتر والصخب الديبلوماسي، أجرى الجيش الإسرائيلي في اليومين الأخيرين مناورة عسكرية مباغتة في هضبة الجولان على مقربة من الحدود. وقد باغت قائد لواء «الناحال» العميد يهودا فوكس جنوده مساء السبت الماضي بأوامر بدء المناورة، التي أعلن الجيش الإسرائيلي أنها غير ذات صلة بما يجري في سوريا. وشاركت في المناورة عدة كتائب وتضمنت التدرب على قصف مواقع معادية وإعادة احتلال مواقع إسرائيلية هاجمتها قوات غير نظامية معادية وسيطرت عليها. وشددت مصادر عسكرية على أن موعد المناورة كان مقرراً سلفاً، ولكن الجنود لم يكونوا على علم به.

 

السابق
الإرهاب خطر يُداهم لبنان
التالي
مناورة إسرائيلية في المزارع