زيارة طهران… وحسابات لبنان

تستحق العلاقات اللبنانية – الإيرانيّة زيارة بمستوى تلك التي يقوم بها رئيس الجمهوريّة العماد ميشال سليمان للمشاركة في حفل تسلّم الرئيس حسن روحاني مهماته. المبررات التي تستوجب هذه الإلتفاتة الرئاسيّة البروتوكوليّة كثيرة، ذلك أنّ العلاقات كانت دائماً في دائرة الإلتباس، مفخخة بعلامات إستفهام لم تلقَ بعد أجوبة واضحة وحاسمة ونهائيّة.

ربما يعود السبب الى الأسلوب الذي تعتمده الجمهورية الإسلاميّة الإيرانية في سياستها الخارجيّة حيث اللون الرمادي هو المسيطر، وتترك للمتفائلين التمعن في النصف الملآن من الكوب، فيما تترك للمتشائمين “التمتع” بالنصف الفارغ منه؟!

ربما يجد سليمان أنّ إيران أقرب الى قصر بعبدا من الضاحية الجنوبيّة، والدليل أنّ “المحاذير الأمنية” تسمح للأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله أن يزور طهران ساعة يشاء، ودمشق ساعة يريد، ولكن لا تسمح له بزيارة القصر الجمهوري؟! ولم يعرف بالتأكيد هل سيجري الرئيس حواراً مع الأصيل نيابة عن الوكيل، ام أنّ “وحدة الحال” قائمة ما بين “الحسنين”، حسن روحاني، وحسن نصرالله؟

في مطلق الأحوال، تتزامن الزيارة مع “إحتضان” لبنان الرسمي والشعبي للحزب بعد الخطوات التي أقدم عليها، وأولها التورط في الصراع داخل سوريا. لقد أحرج هذا الخيار المسؤولين والفاعليات، وكانت ردود الفعل رافضة ومستنكرة، لكن عندما بدأت التداعيات تطاول اللبنانيين في دول الخليج، وجَد لبنان الرسمي والشعبي أنّ المصلحة الوطنية العليا تقضي بالتحرك للتخفيف من وطأة التدابير والإجراءات الخليجيّة. وعندما قرَّر الإتحاد الأوروبي وضع الجناح العسكري لـ”حزب الله” على قائمة المنظمات الإرهابيّة، قرَّر لبنان الرسمي التصدي لهذا القرار ومفاعيله؟!

ربما شاء الرئيس “أن يضرب الحديد وهو حام”، فيغتنم الزيارة البروتوكوليّة ليثير مع نظيره الإيراني العديد من الملفات العالقة، ويتبادلان معاً المعلومات المتوافرة حول الأوضاع الخارجية الضاغطة التي تمنع قيام حكومة جديدة تقتضيها المصلحة الوطنية، وإمكان معالجة “الفيتوات” الخفيّة التي تعترض التأليف، إذا ما إقتنعت طهران بأن مصلحة المقاومة في الجنوب، ومصلحة “حزب الله” تقضي بتاليف حكومة منسجمة متأهبة للدفاع عن سياسة لبنان الخارجيّة، عن الجناح العسكري للحزب، أمام المنابر الأوروبية والدوليّة.

ولأنّ الموضوع حسّاس ودقيق، صدر تمنٍّ عن بعض حكماء السياسة الخارجيّة يفيد لو يدخل الرئيس طهران عبر البوابة السعوديّة، كأن يحلّ ضيفاً على الملك عبدالله بن عبد العزيز حول مأدبة إفطار خاصة، يقول خلالها كل ما يجب قوله “من القلب الى القلب”، وبمنتهى الصراحة والشفافيّة، قبل أن ينتقل الى طهران.

جرت محاولات “جسّ نبض” لحصول مثل هذا اللقاء، وكانت هناك رغبة لبنانية صادقة في تدوير الزوايا السعوديّة – الإيرانيّة الحادة بأسرع وقت، وأفضل الممكن لإزالة الكثير من العوائق الخارجية أمام التأليف.

والمقاربة لهذا الملف واضحة: “ما هو غير ممكن اليوم قد يصبح ممكناً غداً، وضرورة قصوى في المستقبل القريب”، بعد أن يقتنع كلّ متردد او مشكك بأنّ الساحة اللبنانية لا يمكن أن تكون ساحة لتصفية الحسابات، بل ساحة تلاقي المصالح والأهداف المشتركة.

يحاول الرئيس أن يهزّ المسمار الحكومي المثبّت في الوتد الإيراني – السعودي، وتبدو المهمة شبه مستحيلة، ولكن قدره أن يحاول ويبادر لأنه الوحيد القادر بعدما غيّب الفراغ أدوار الآخرين وشيّع بعض المؤسسات الى مرقد التمديد والمراوحة.

السعوديّة لها حساباتها في الداخل السوري، وإيران لها حساباتها أيضاً، وقد نقل “حزب الله” بعد تورطه هذه الحسابات الى الساحة اللبنانية، وأصبح بعد التورط هدفاً خليجيّاً – أوروبيّاً – أميركيّاً، ورقماً في الحسابات الجارية.

لا تقضي المصلحة الوطنية التفريط بلبنان “كرمى لعيون حزب الله”، واللحاق به للوقوف على خاطره في الخيارات التي يقدم عليها منفرداً. كما لا تقضي أيضاً بأن يبقى وحده المقرر والمبادر، فيما الجميع ينصاع ويسعى الى اللحاق به للزود عن خياراته وقراراته حتى ولو كانت إنفعالية متسرّعة، او هادفة، وعن سابق تصوّر وتصميم لخدمة المصالح الإيرانيّة، ومشروع “الهلال الشيعي؟!”.

إنّ هامش المناورة ضيق في لبنان، ولن تصلح ساحته أن تكون ساحة تسديد الفواتير السعوديّة – الإيرانية على خلفية ما يجري في الداخل السوري، وربما أبعد من الداخل السوري.

حماية الساحة، تتطلب تأليف حكومة، وتأليف الحكومة يتطلب جولة رئاسية على بعض دول مجلس التعاون لوضع خريطة طريق جديدة موضع التنفيذ، تعالج الثغرات التي نشأت بعد تورّط “حزب الله”، وتعيد مياه العلاقات الى مجاريها الطبيعيّة.

السابق
فشل محاولة خنق مواطن في راس الدكوانة
التالي
أبي نصر: أبو فاعور يتحمل خطر ملف النازحين