دولة الحيط الواطي

لا يكلف اي متابع لتطورات الساحة الداخلية اللبنانية، الكثير من الجهد لاكتشاف ان الارضية باتت جاهزة لاي توتير او اشكال او خرق للقانون وازهاق الارواح. واذا سلمنا جدلاً ان معظم الاحداث الامنية والتفجيرات في اكثر من منطقة هي تبادل رسائل بالنار بين الدول المتصارعة على الارض السورية من البوابة اللبنانية، فإن اخطر ما شهدته البلاد كان اربع حالات تستحق التوقف عندها، وتلتقي عند قناة واحدة، استسهال القتل والاستخفاف بالدولة وهيبتها والقانون وبأرواح ودماء الناس. في حادثة عبرا وبعيداً من الاثارة الاعلامية والاستثمار السياسي الذي يقوده ببراعة نائبا تيار "المستقبل" في صيدا الرئيس فؤاد السنيورة وبهية الحريري، فقد صار واضحاً ان احمد الاسير وجماعته كانوا من بادروا الى استهداف الجيش وقتل ضباطه وعناصره، ولا يمكن انكار ثبوت هذا الفعل بالصوت والصورة وفي التسجيلات التي لا يرقى اليها الشك في مصداقيتها والتي وثقتها كاميرات مربعات الاسير ومجاميعه الامنية. وما بقي في حوزة الجيش اكبر مما عرض بأشواط وزود فيه القضاء العسكري الذي يتابع تحقيقاته في القضية مع الموقوفين ضمن القوانين المرعية الاجراء. وفي هذا الاطار لن تجدي اي محاولة لحرف الانظار عن حجم الجريمة المرتكبة لتحويل المسألة الى اشكال فردي بين مسلحين احدهما الجيش وآخر شكل عصابة مسلحة وكان خلافهما على قطعة من الارض وبعض المكعبات الاسمنتية. فلولا جهات سياسية ما غطت الاسير وسلحته لما كان تجرأ وتمادى في استهداف الجيش بالرصاص والقتل.

الحادثة الثانية والتي هزت وجدان اللبنانيين وحركت فيهم مشاعر الغضب والاشمئزاز، هي الحادثة التي تعرض لها احد الشبان على خلفية زواجه عن "طريق الخطيفة" من فتاة تصغره بـ20 عاماً ومن طائفة مغايرة لطائفته. رد الفعل على الفعل الذي اوتي به كان اقسى وابشع بملايين المرات مع احتساب لحظات الغضب والعادات والتقاليد وانتظار انكشاف ملابسات الواقعة كاملة. اذ تؤكد بعض معطيات التحقيق في الجريمة ان الشاب الضحية غرر بالفتاة وقام بخداعها ونصب لها شركاً على غرار عشرات الفتيات الاخريات. ولكن العقاب على افعاله لا يكون بتقطيع اعضائه التناسلية او القتل او التعذيب او التعنيف، بل يتم بواسطة القضاء وبقوة القانون. الا ان عدم اللجوء الى الوسائل القانونية واستسهال تنفيذ العقاب باليد لم يكونا لولا التغطية السياسية التي تأمنت للفاعلين واللذين اخلي سبيلهما امس الاول.

عملية اغتيال السياسي السوري محمد ضرار جمو ايضاً لما كانت ان تتم لو شعر الفاعلون للحظة انهم معرضون للملاحقة وتحت المساءلة والقانون، ما جعلهم يستسهلون القتل بهذه الطريقة الوحشية والدموية غير المسبوقة بين افراد العائلة وهي تعد من الجرائم نادرة الحدوث في اوساط المجتمع الجنوبي الذي لا يجنح الى هذه الكمية من العنف او استسهال القتل. واللافت في هذه الجريمة ان القتلة نجحوا في ايهام الرأي العام اللبناني والشعبي والسياسي والحزبي وحتى السوري ايضاً انها جريمة سياسية بامتياز رغم الهفوات التي وقعوا فيها من طريقة تنفيذ الاعتداء الهمجي. فلا يعقل وفق التحقيق الذي اجري في الحادثة ان تغتال مجموعة من المسلحين الارهابيين ناشطاً سياسياً محسوباً على النظام السوري في ساعة الفجر الاولى بـ30 رصاصة متفجرة على مدخل منزله رغم انه كان عائداً الى منزله من مدينة صور التي تبعد عنه بما لا قل عن 30 كلم، وهي مسافة توفر لاي عملية اغتيال العديد من الفرص لاجراء كمين وما الى ذلك. في النهاية سقط القتلة في قبضة العدالة لان لا جريمة كاملة.

الحادثة الرابعة وهي خطيرة وتؤشر الى عقلية ميليشياوية غير مقبولة وغير مسموح حدوثها ،حيث لا يمكن المساس بأي عنصر او ضابط من قوى الامن الداخلي يطبق القانون ويسهر على تنفيذه ويقوم بواجب حماية الامن الداخلي للبلد من دون تمييز بين طائفة واخرى. وبالتالي لو كان لا يشعر هذا المسؤول الحزبي انه لا يمتلك فائضاً من القوة تؤهله لاطلاق النار على عناصر وضباط الحاجز لما قام بفعلته الشنيعة التي يفترض ان لا تتكرر. وحسناً فعل المستهدفون بالنار وردوا بالمثل واوقفوا الفاعلين.
الجنوح نحو العنف واستسهال استعمال القوة المفرطة لحل اي اشكال فردي بالذراع من دون اللجوء الى نيله بالطرق القانونية المشروعة يطرحان اشكالية كبيرة امام الجهات السياسية الراعية لبعض الحالات الشاذة، كي تبادر من تلقاء نفسها الى الانتباه والحذر منها لانها حكماً ستنقلب عليها وتمعن ذراعها فيها.
  

السابق
التسوية الحكومية عنوانها الحريري أو مَن يسميه
التالي
ماروني: الامور عادت الى نقطة الصفر ولا تقدم على صعيد التاليف