التسوية الحكومية عنوانها الحريري أو مَن يسميه

يدرك المهتمّون بالشأن السياسي اللبناني من محللين ومتابعين محلّيين وإقليميين صعوبة تأليف حكومة وحدة وطنية، في ظلّ الظروف الراهنة التي يشهدها الإقليم، والمرتبطة ارتباطاً أساسياً ووثيق الصلة بالحريق السوري وتفرّعاته الإقليمية والمحلية.

وهذا الإدراك نابع من معرفتهم بالواقع الانقسامي الحاد الذي تعيشه الساحة اللبنانية منذ فترة طويلة والذي ازداد أخيراً ونما على خلفية الأحداث الجارية في الداخل السوري حيث خريطة التحالفات واضحة لا لبسَ فيها بين فريق 14 آذار المؤيد للثورة السورية وفريق 8 آذار الداعم للنظام فيه، ما يجعل من إمكانية تأليف حكومة موحّدة أمراً بالغ الصعوبة ويكاد يقارب المستحيل، إلّا في حال واحدة قد تبدو معجزة، وهي أن يتمّ التوافق بين النظام السوري ومعارضيه على تسوية ما برعاية اقليمية ـ دولية طبعاً تعكس نفسها تلقائياً في لبنان.

وهذا الأمر لا يبدو أنّه متوافر لا في المدى القريب والمنظور ولا حتى في المتوسط أو البعيد، لا بين السوريين انفسهم ولا بين اللبنانيين على حدّ سواء. ما يعني أنّ حكومة الوحدة المنشودة ليس أوانها الآن طالما إنّ التسوية المنتظرة اقليمياً لم تنضج بعد، ولم تتّضح معالمها حتى الساعة.

من هنا كان طرح الرئيس المكلف تشكيل الحكومة تمام سلام في الاساس لحكومة التوازن التي اصطلح على تسميتها حكومة 8 + 8 + 8 ، أي 8 وزراء لفريق 14 آذار و8 لفريق 8 آذار، و8 للمستقلين (أي لكلّ من رئيسي الجمهورية والحكومة والنائب وليد جنبلاط).

وهذه التشكيلة يراها سلام ولا يزال أنها الأمثل في هذه الظروف، في وقت رفضها "حزب الله" لاعتبارات كثيرة أبرزها أنّها لا تعطيه "ثلث التعطيل" أوّلاً، ولا يراها متوازنة ثانياً، لإقتناعه بأنّ الثلث الاخير ليس فيها وسطياً وأنّه ميّال الى فريق 14 آذار، علماً أنّ هذا الفريق سارع ومنذ البداية الى المطالبة بـ"حكومة حيادية" لا تضمّ الفريقين، بل مجموعة من الاختصاصيين مطعّمة ببعض الوجوه السياسية غير النافرة من الطرفين، رفضها الحزب في اعتبارها لا تلبّي متطلبات المرحلة في رأيه.

ماذا بقي في صورة الوضع الحكومي إذاً؟

بقي أمران:

1 – حكومة "الأمر الواقع"، أي التي تملي على كلّ من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف فرضها على الجميع بـ"قوّة الدستور" وقوّة المصلحة الوطنية العليا التي تستوجب تأليف حكومة، وترفض الفراغ في المؤسّسات، وتحديداً في السلطة التنفيذية، ولكنّها ستواجه بـ"دستور القوّة"، إذا جاز التعبير، لدى "حزب الله" وتؤدّي الى مضاعفات خطيرة على البلاد والعباد، وهذا الامر يدركه رئيسا الجمهورية والحكومة وهمسَ به جنبلاط مراراً، ما يعني صعوبة حدوثه إلّا في حال واحدة لا تبدو ظروفها متوافرة حتى الآن، وهي اتّخاذ سليمان وسلام وجنبلاط قراراً حاسماً بالمضي قدُما فيها وتحمّل تبعات مواجهة "حزب الله" لها.

2 – إعتذار سلام، والذي ألمح اليه مراراً في الفترة الاخيرة، في اعتباره الخيار المتبقّي امامه تحت عنوان أنه لن ينتظر الى ما شاء الله، في ظلّ الشروط والشروط المضادة على حدّ قوله.

إلى أين من هنا؟

الصورة واضحة، فسلام في حيرة والحكومة معلّقة، في انتظار التسوية الموعودة والتي قد لا تأتي الآن في اعتبار أنّ ظروفها لم تنضج بعد إقليمياً ودولياً، وعنوانها المحلي ليس واضحا، فقد يبقى لدى الرئيس المكلف، أو ربّما قد يتمّ تغيير اتجاهه ليصبح عند الرئيس سعد الحريري، أو الرئيس فؤاد السنيورة، أو شخصية أُخرى لا تزال طيّ الكتمان سيسمّيها الحريري بنفسه، بالتأكيد في حال تعذّر عودته للأسباب الأمنية المانعة والمعروفة لدى الجميع.

والسؤال هنا: هل يعود الحريري ويكون عنواناً للتسوية؟ أم أنّ ظروف العودة لا تزال متعذّرة وسيضطرّ إلى تسمية البديل؟
هذا السؤال ستجيب عنه الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة حتماً وليس الآن.  

السابق
المعركة مع التطرف في سوريا
التالي
دولة الحيط الواطي