شاكر العبسي.. الجديد

من المحتمل أن الشيخ أحمد الأسير الحسيني لم يعد بيننا. وإذا أراد بعد اليوم أن يحتكّ بجماهيره، فربما سيكون مضطراً لوضع «قناع الإخفاء» بإحكام.
لم يعد بمقدور الشيخ أن يلمّ شمل «جماعته»، وينظّم لهم يوماً سياحياً على ثلوج كسروان أو شاطئ جبيل. ولم يعد باستطاعته أن يقود دراجته الهوائية ويتنزّه بها من عبرا نزولاً باتجاه شوارع صيدا القديمة.
وصار من الصعب أن يقضي أياماً وليالي على أرض القصير، أو أن يستيقظ ويقرّر فجأة أن يقطع طريق صيدا الجنوب، ليهاجم ما يسميه «حزب اللات» ويهبّ لنصرة «أهل السنة».
كما أنه لم يعد أمام «الأسيريين» مجال، للتوجّه ظهر الجمعة إلى عبرا، ليفترشوا الأرض أمام «مسجد بلال بن رباح»، ويرددوا وراء شيخهم «الموت ولا المذلّة»، ثم يشيروا بأصابعهم الى شقق «حزب الله».
اليوم، سيتحرّر مرافقو الشيخ الذين كانوا يقفون خلف الدشم بكامل عتادهم العسكري وأجهزة اتصالاتهم، لحراسة المبنى ذي الزجاج الداكن حيث يقع مكتب الأسير ومنزله. سيفتقد مكتبه الاعلامي للصحافيين الذين كانوا يأتون لأخذ حديث سريع من الأسير، ولن يردد القيمون عليه على مسمع الزائرين: «أهلاً وسهلاً.. 5 دقائق والشيخ بيكون معكم».
كلّ هذه المشاهد ستكون، بدءاً من اليوم، مشاهد من الماضي. سيتحوّل الأسير من إمام مسجد وقائد «كتائب المقاومة الحرة» التي شكّلها في نيسان 2013، إلى فار من وجه العدالة، أقلّه من وجهة نظر القانون اللبناني.
اليوم، لم يعد «الشيخ أحمد» يشبه ذلك الفتى، ابن الفنان الصيداوي هلال الأسير، الذي كان عليه قبل العام 1982. فالاحتلال الإسرائيلي قرّبه بمآسيه من الإسلام، لينأى بعد الرابعة عشرة عن فنّ والده ويدخل بعدها إلى «كلية الشريعة» التابعة لدار الفتوى، من دون أن يكمل الماجستير في الفقه المقارن.
لم يتبحّر «أبو محمد» في العلوم الإسلامية بقدر «تبحّره» بكلّ أنواع «البزنس». من بائع معجّنات إلى عامل الكترونيات وحتى «خضرجي»، حتى اهتدى إلى الدعوة. صار «الشيخ أحمد» داعية للإسلام، يجوب البيوت الصيداوية، وحتى بعض الدول العربية للتبليغ، إلى أن صار إمام «مسجد بلال بن رباح»، ثم زعيمه السياسي وقائده العسكري.
اليوم، عاد الأسير خالي الوفاض، تماماً كما عاد يوماً بعد أن باع «الحيلة والفتيلة» لتمويل إحدى رحلاته الدعوية إلى باكستان، ولكن مع فارق وحيد أن يديه تلطّخت بدماء العسكريين.
«شاكر العبسي الجديد» سيتنقّل متخفياً في لبنان، سوريا، أو داخل أحد المخيمات الفلسطينية. سيحاول بعث الروح من جديد في صفحته الفايسبوكية «محبي الشيخ الأسير»، بعد أن أغلقتها إدارة موقع التواصل الاجتماعي.
سيستعيض عن خطبة الجمعة الخاصة به بإطلالات بين الفينة والأخرى على موقع «يوتيوب».. سيراجع ألبوم صوره، حين كان يهزّ سبابته يمنةً ويسرةً للتهديد والوعيد. سيتفقّد عن بُعد المدينة التي قضى فيها أكثر من 15 سنة.
ربما سيتقمّص «الشيخ» في رجلٍ آخر في منطقة أخرى، أو يقوم بعمليات جراحية يغيّر فيها ملامح وجهه، على طريقة الأفلام الأميركية، أو يعيش بهويّة لا تحمل اسم «أحمد الأسير الحسيني».
هرب الأسير، ولم يمُت، ولكن مما لا شكّ فيه أن ظاهرة «جيمس بوند ـ الأسير» انتهت.
  

السابق
مصر ومذبحة زاوية أبو مسلم: موجة إدانات وصمت يشجع التكفير!
التالي
صور تستقبل عريسها إيلي رحمة