نصرالله- الحريري: الرماد الساخن

وفي المرة الثالثة فعلها الرئيس سعد الحريري قبل السيد حسن نصرالله واطل بخطاب اقل ما يقال عنه انه يقطع الطريق امام اي تقارب او حوار او تفاهم من اي شكل كان مع حزب الله وقيادته. كما انه وضع شرطاً ربما يكون مستحيلاً تحقيقه في المدى القريب وهو تحول حزب الله الى حزب سياسي ورميه السلاح او فلينتظر ربيعا لبناني يسقطه في لبنان كما فعلت "ثورة الارز" في العام 2005 واخرجت الوصاية السورية.
خطاب السيد نصرالله مساء امس رد بشكل مباشر على الحملات الاعلامية والسياسية الممنهجة وآخرها رسالة الحريري الى اللبنانيين امس الاول وحرص على تأكيد ثوابت ثلاث: اولها ضبط جمهور المقاومة ومنع انجراره الى الانفعالات والفعل ورد الفعل. ومحاولة تخفيف منسوب الاحتقان المذهبي والطائفي والسجالات التي تنفخ في رؤوس "العامة والخاصة" من الناس فليس كل الجماهير الموالية حزبية ويمكن الضغط عليها بالهرم القيادي او المسؤول المباشر. وثانيها : التشديد على العمق والجذور اللبنانية للمقاومة والثبات على المبادئ والحفاظ على عمقها اللبناني كجزء لا يتجزأ من الكيان اللبناني. وثالثها: الاستمرار في الحرب السورية حتى النهاية حفظاً للعمق الاستراتيجي والخزان المعنوي والمادي واللوجستي للمقاومة وهي تخوض حرباً ضد اسرائيل ومشروعها بالوكالة برؤية واضحة منذ البداية فالمقاومة ستكون حيث يجب ان تكون وكما كانت في كوسوفو وفي افغانستان واليوم في سورية.
ورغم ان خطاب نصرالله لم يسم الحريري الا انه وضعه في سياق أحداث متسلسلة وحملة متناغمة. وكان سبق الخطاب وخلال الاسابيع الماضية جلسات نقاش داخلية داخل اروقة القرار السياسي في الحزب وتركز النقاش على ما تتعرض له المقاومة من حملات وتصريحات ومواقف واجراءات وصفتها بالترهيبية والتخويفية والتي تهدف الى حصار المقاومة وجمهورها وزرع حالة من القلق والترقب والانزعاج كلما تطورت الامور الميدانية في سورية.
وخلصت بعض النقاشات الى ان هناك صراع ارادات في المنطقة وكل الاوراق تستعمل ليحسن كل طرف مواقعه وشروطه. على المستوى الميداني لم يستطع لا الطرف الداخلي اللبناني ولا الاوروبي والعربي والاميركي تحقيق اي انجاز او اي تقدم وما جرى خالف تماماً توقعاتها. وهي تعتبر ان الحسم يهدف الى اسقاط نظام الرئيس بشار الاسد لكن تدخل حزب الله خلق نوعا من التوازن واعاد الامور الى نصابها وهذا التدخل ازعجها وازعج القوى الداخلية والاقليمية والدولية وبدأت حملة من اللحظة الاولى ضده حتى قبل اعلان القرار العلني بالمشاركة في سورية بشكل واسع. فاطلقت هجوماً استباقياً على مشاركته في بعض القرى وبشكل محدود وهدف الى حشره في السياسة لكن النتائج الميدانية جعلت المعارضة السورية والاطراف الداخلية اللبنانية تخرج عن طورها وفتشت عمن تحمله مسؤولية الهزيمة فوجدت ضالتها في الحزب وحاولت الصاق المنحى المذهبي والطائفي به. واكمل الخليجيون بشكل رسمي وكان موقفهم متدرجا من الادانة السياسية الى استهداف مصالح اللبنانيين الشيعة وما قالوه بشكل علني اكملوه بقرارات تجميد ارصدة وترحيل وعدم تجديد اقامات وغيرها.
وتشير النقاشات الى اكتمال الاوركسترا بشق داخلي فكان الموقف الذي اطلقه الرئيس فؤاد السنيورة من صيدا في مؤتمره الصحافي وهو رأس هذا المشروع بالمعنى العملي والفعلي ولكن "لا تمشي الامور" الا بخطاب للحريري فتم اعداد خطاب له مدروس مدوزن من احد مستشاريه من النواب الشيعة السابقين والذي شن فيه هجوماً كاسحاً ضد حزب الله ورفع فيه منسوب الكلام المذهبي ومثل تجميعاً لكل الكلام الذي قيل من جماعات 14 آذار بالمفرق. وهو اقصى ما يستطيعون فعله فجربوا المواجهة بالسلاح فلم ينجحوا وها هم يعتمدون لعبة الحصار الاقتصادي والتصعيد الكلامي والمذهبي وهو اسلوب اعتمدوه ضد سورية. وتضيف ان "حزب الله" لا يعطي قيمة للكلام السياسي او الحصار الاقتصادي لكن الكلام المذهبي يخلق له مشكلة ويؤسس لفتنة مذهبية وهو حريص على تجنبها وعدم الانجرار اليها. وتستغرب تحميل الحزب مسؤولية كل ما حصل ويحصل في سورية من 3 اعوام وحتى الآن وشعرت القوى الداعمة للمعارضة السورية بعد هزيمة القصير ان التدخل غير المباشر لن يؤتي ثماره فصرنا نسمع اليوم الحديث عن استعمال الاسلحة الكيماوية التي ذهب ضحيتها 150 سوريا لكن الاميركيين اغفلوا اعدام 60 مدنيا في قرية حطلة الشيعية اما الحديث عن منطقة عازلة فلا يمكن التعويل عليه.
حرصُ السيد نصرالله على تهدئة الساحة الداخلية و"عقلنتها" ترى فيه اوساط الحزب نوعاً من رمي الحجة على الطرف الآخر الذي يبدو انه ليس في وارد التهدئة وسيبقى مستمراً في خطاب تصعيدي يشنج الاجواء ويجعلها قابلة للانفجار في اي لحظة وربما حصار سياسي اذا نجح يكون اقصى ما يمكن ان يفعله.

السابق
بارود: علينا إنقاذ المجلس الدستوري من المطبات الخطيرة التي يتعرض لها
التالي
خامنئي: الإنتخابات الرئاسية انتصار للجمهورية الإسلامية في إيران