لبنان والحرب الأهلية العربية

تعيش البلاد العربية، عموماً، في ظلال حرب أهلية مرشحة للتفاقم عبر المزج بين الديني، بل المذهبي، والسياسي، في الصراع على السلطة.
يفاقم من خطورة هذا الواقع أن الأنظمة التي كانت قائمة في معظم أقطار المشرق والمغرب قد «أنجزت» مهمة القضاء على «السياسة» التي صارت امتيازاً شخصياً للحاكم الفرد من ليبيا إلى اليمن، يمارسها وحده بلا شريك، وإن استعان ببعض «المستشارين» الذين يفتون له بالخطأ ويبررون الخطايا.
ربما لهذا تاهت الانتفاضات التي ملأت ملايينها الميادين عن هدفها في التغيير الجذري الذي تطمح إليه، وأمكن للتنظيمات الإسلامية التي عاشت بين الملاجئ والمنافي والعمل السري وبين نفاق القائم بالأمر أن تتصدر الموجة، ثم أن تقفز إلى السلطة، في ظل ضياع «الجماهير» التي افتقدت التنظيم والقيادة المؤهلة بالبرنامج المدروس والقابل للتنفيذ.
وبرغم الادعاءات التي تزعم أن اللبنانيين صاروا محصنين بالتجربة لا تقربهم الحرب الأهلية ولا يقربونها، فإن الطبقة السياسية التي تتوزع الحكم من موقع السلطة كما من موقع المعارضة تحرص في ممارستها على حفظ مقتضيات التعبئة والحشد… بل هي تفرض عليهم أن يعيشوا أيامهم منذ إعلان وقف الحرب الأهلية قبل عقدين تقريباً، كأن التوقف ليس أكثر من هدنة، وأن حادثاً واحداً في «منطقة حساسة» أو اشتباكاً بين «أوباش» ينتمون سياسياً إلى تنظيمين طائفيين (وكل التنظيمات طائفية مموهة بالشعار السياسي) يكفي لإرهاب الرعايا وإعادتهم إلى حظيرة الولاء للحزب القائد في الطائفة والاصطفاف في الطوابير الجاهزة للقتال ولا قضية، بل على حساب «القضية».
على هذا فلا مجال لأن ينتظر لبنان النجدة من الأشقاء العرب، ولا فرصة كي يلتئم عقد الجامعة العربية التي لا يرغب أحد في إعلان وفاتها، فتبادر إلى إرسال «قوات الردع العربية» منعاً لانتشار نار الحرب الأهلية خارج هذا الوطن الصغير.
… خصوصاً أن التنظيمات «الشعبية» القائمة بالأمر، في الداخل، حكماً ومعارضة، طائفية المنطلق والشعار، ويمكن حل خلافاتها عبر المحاصصة في السلطة.
ثم ان اعتقاداً راسخاً يسود الطبقة السياسية مفاده أن «الكبار» لن يتخلوا عن لبنان بصيغته الفريدة، وسوف يمنعون انزلاقه إلى الحرب الأهلية، مرة أخرى.
ولكن انقلاب الصراع على السلطة في معظم أقطار المشرق من الميدان السياسي إلى المواجهة بالشعار الديني، بل الطائفي أو المذهبي على الأصح، يفتح أبواب جهنم الحرب الأهلية في المشرق العربي على وجه الخصوص.
وهكذا لا يستطيع أي طرف سياسي عربي، سواء أكان نظام حكم أم معارضة تطمح إلى الوصول إلى السلطة بدعم خارجي، أن يدعي البراءة من التورط في حرب أهلية معلنة، أو هي مشتعلة من دون إعلان.
وأبواب الحرب الأهلية تتسع لدخول العالم كله، غرباً وشرقاً، إلى الميدان، مناصراً لهذا الطرف أو ذاك، أو عاملاً لمد هذه الحرب المدة الكافية لتحقيق أغراضه…
وها هي المنطقة المهددة بالغرق في دماء بنيها مفتوحة لكل قوى الهيمنة بدءاً من إسرائيل ومعها الولايات المتحدة الأميركية وانتهاءً بدول الاستعمار القديم.. وبديهي أن تكون إيران وتركيا بين هذه الدول التي تحاول مد نفوذها في «الفراغ» العربي.
في الوقت ذاته تنعدم «السياسة» في المنطقة مخلية المساحة للشعارات الطائفية والمذهبية كتعبير عن الدخول إلى أتون الفتنة التي لا تبقي ولا تذر، خصوصاً بين مكونات الأمة وبالشعارات الدينية والطائفية وليس بالتضامن والتعاون وتمتين الروابط المؤكدة وحدتها والتي تحصن منعتها وتحمي مستقبلها الواحد.
وليس بمثل القرارات التي اتخذها مجلس التعاون الخليجي، مؤخراً، يمكن تحصين لبنان من محاولة الهيمنة عليه وتعزيز قراره الوطني.. بل ان هذه القرارات تضر الوحدة الوطنية وتفاقم الخلافات وتنقلها من حيز السياسة والإيمان بوحدة المصير إلى مناخات الحرب الأهلية بالشعار المذهبي.
وبالتالي يصبح منطقياً بل مؤكداً أن هذه الدول الغنية بمواردها الطبيعية التي تتدفق ذهباً من دون مجهود يذكر لا تهتم بسلامة أوطان الأشقاء وهي تندفع ـ متأخرة جداً ـ لمحاولة «طرد إيران» من المنطقة، متغافلة عن حقيقة أن إسرائيل ستكون المستفيد الأول قبلها وبعدها، وربما من دونها.  

السابق
البقاء ليس… للأقوى!
التالي
بعبع “السكس”