قلعة دوبيه الأثرية فريسة الإهمال

عند عتبة الترميم البعيد القريب تقف قلعة دوبيه.. القلعة التي تعود للعهد الكنعاني تتنظر أول قطرات غيث الترميم الذي يبدو، أنه يغرق في بوتقة "ألدراسات" التي تقيمها البعثة الفرنسية للدراسات والإبحاث عامان مرّا على بدء إنطلاق خطوة الترميم، لا جديد فعلياً على الأرض، فالقلعة ما زالت في غرفة الإنعاش، جدرانها متصدعة، حجارتها العتماء متصدعة، الإهمال واضح وعين الدولة شبه غائبة وإن حضرت لإلتقاط صورة "عدة العمل"، وخلافا للأمر، الدراسات هي النتيجة الواضحة، أيّ مصير ينتظر قلعة "المربض"، هل سترمم عما قريب، أم ستدخل في نفق مظلم إسمه دراسات وأبحاث ورسومات وتضيع الطاسة في المجهول؟

قلعة كنعانيّة
المؤكد أن قلعة "دوبيه" التي تعود للعهد الكنعاني ترزح تحت وطأة الخطر، الذي حولها الى شبه قلعة مع الإحتفاظ بالإسم، ما دلّل عملية الإهمال الذي تحول الى "جراد" أرهق جدرانها وهيكلها وحولها جسداً بلا روح، يحتضر على مرآى من دولة لا تولي هذه القلاع عناية…فدخلت العناية الفائفة فيما يتولى الطبيب الفرنسي المتخصص تحضير العلاج الناجح لضخ الحياة من جديدة في هذه القلعة فحضرت البعثة الفرنسية الى القلعة وبدأت عملية المسح الطوبوغرافي وانطلقت عملية الدراسات، لكن المهندس الدكتور يوسف حمزة يرى أن "لا جدوى منها وهي هدر للمال وإضاعة للوقت ليس إلا"، وبحسب حمزة " الدراسات التي تقوم بها البعثة الفرنسية والقائمة على دراستين واحدة فوق الأرض وثانية تحت الأرض لا جدوى منها، لأن جدران القلعة وعناصرها الحاملة أي الإنشائية هي بحد ذاتها تكمل رسم وتصاميم القلعة". و"ياريت" يقول حمزة "لو دفعت تلك الأموال على البدء بأعمال الترميم لأنها تكفي بناء القلعة مع بعض التبرعات التي تساعد في ترميمها من قبل إتحاد جبل عامل".

في دهاليز مظلمة دخلت عملية الترميم إذا، هدر الوقت والمال واضح لا لبس فيه، ولكن من المسوؤل وما هي الالية التي في تصور حمزة يمكن أن تسرع عملية الترميم لواحدة من أبرز قلاع الجنوب لتستعيد جمالها وموقعها الإستراتيجي على تلة ولا اورع تحيط بها ينابيع وادي الحجير.
من البعيد تطل عليك دوبيه القلعة المترامية على الجبل،بشكل منحوتة طبيعة وتظلّلها شجرة البطم، والتي تعود الى "روبيل الابن الاكبر للنبي يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم الخليل. وهي قلعة كنعانية الاصل ويتجاوز عمرها ال2800 سنة، وقد احتلها الصليبيون الذين رمموها،ومن ثم العثمانيون والفرنسيون الذين مكثوا فيها. وما زالت هذه القلعة تتحدى الزمن والحضارات رغم الاهمال الكبير الذي لحق بها، والقلعة سكنتها "عائلة عون ابن روبيل ابن النبي يعقوب حين كان يقوم بتجارته الى بلاد الحجاز".

ثلاث طبقات
ودوبيه كانت قلعة سرية للغاية تسمى قلعة المربض أو الرابضة في حضن الجبال،تقع بين بلدتي حولا وشقرا، عند مثلث وديانيّ استراتيجيّ للغاية يحوطه مجموعة قلاع هي بمثابة حصانة للقلعة، التي كانت مخصصة للسكن، لانها كانت على ضفاف نهر عظيم اسمه وادي الحجير ونهر السلوقي، و كان الاهالي هناك يعتمدون في حياتهم على التجارة ويعتاشون من شجرة البطم التي كانوا يطحنون حبوبها ويحولونها الى خبز، وفي مقابل القلعة يوجد جبل هارون، اما في عهد الصليبين فتحولت الى قلعة عسكرية مكث فيها الجنرالات والقادة العسكريون، وتعتبر من اهم المعالم الأثرية في قضاء بنت جبيل، يبلغ طولها 125 متراً وعرضهما 80 متراً. فيها ثلاث طبقات "طبقتان ظاهريتان فوق الارض تحويان 32 حجرة وغرفة وطبقة سفلى تحت الأرض، لا يظهر منها الا اثارات بسيطة وأعمدة وقبو"، وهي "بنيت من حجارة صماء قديمة رقمت في زمن الصليبيين، ويوجد بقربها قبور لأحفاد نبي الله يعقوب"، وفي مدخلها 8 ابار 4 شمالا و4 جنوبا لمد القلعة بالمياه كما ويوجد صهريج روبيل الذي تكلله شجرة البطم وقبور أحفاد النبي يعقوب.
الدخول الى القلعة اشبه بالدخول الى عالم مجهول لا تعرف اسراره ولا مفاتيح العبور اليه، هيكل القلعة استسلم للإنهيارات المتلاحقة لحجارته،ويتجه نحو طمس صورتها الاساسية،طاقة صغيرة لا تتجاوز الخمسين سنتم تطل عليك تدخل منها الى غرف صغيرة متلاصقة مقرونة بقناطر معدة للحرس، في الداخل هناك احجار متهاوية اقبية واعمدة وأشواك ودهاليز،يطل عليك درج «العبيد»، وهو ضيق معتم يتجه بدرجات قليلة برّاقة ضيقة، نحو الشرق، ثم ينحرف جنوباً، فيصل إلى سطح الطابق الأول الذي لم تبقَ منه، غير قنطرتين تطلان على الساحة الداخلية للقلعة،من جهتها الشمالية بابان ضيقان يفضي أحدهما إلى ساحتها الوسطى. أما الثاني، الواقع إلى يمينه من الداخل فمفتوح نحو الأعلى.

فريدة التصميم
ولا يخفى على الزائر الهندسة المتآلقة التي تميز هذه القلعة عن غيرها من القلاع إن لجهة تصميمها، وتقسيمها إذ لا تشبه أي قلعة،رغم ما لحقها من دمار. فأبوابها ذات العقود والقناطر وكوّات السهام وثقوب الرصد ومركز الحراسة، صمدت وبقيت على حالها، بينما انهارت معظم سقوف الغرف، لتفتح القلعة من أعلاها، إلى أسفلها، بعضها على بعض؛ وتظهر بوضوح الأبواب والشبابيك والعتبات الضخمة، والعقود والقناطر والممرات،الى غرف للنوم ومركز للخيل كما يوجد فيها مركز للأمير الذي كان يمكث فيها. كلّ هذه الجدران العالية، الصامدة أو المتهاوية، تطل من الداخل على ساحة القلعة الوسطى، التي كانت تُستخدم للاحتفالات والمبارزة.

هل ستبدأ عمليات الترميم عما قريب؟ يضحك حمزة وهو يقول: تعرفت على القلعة في العام 2004 من خلال إحدى الدراسات التي كنت اقوم بها في المنطقة"، وكان قد غزت جذوع النباتات الشجرية جدرانها ونبتت منها، ما ادى الى تصدعها وإحداث شقوق كبيرة، في ذلك الوقت كنت قد بدأت إتصالات مع بلدية شقرا، وللحقيقة أن كل الرؤساء الذين تواصلت معهم، وتجاوبوا بشكل كبير لإعادة ترميم القلعة"، لا يوجد صورة واضحة تظهر معالم القلعة وبحسب حمزة " بحثت عن صورة قديمة للقلعة بالأبيض والأسود لكي نعيدها لسابق عهدما كما كانت في خمسينات القرن الماضي لكننا لم نعثر" على صورة قديمة لها".

لم يقف حمزة مكتوف اليدين لحال القلعة، بل عمد الى تنفيذ مشروع صغير "يقضي بوقف التصدعات فيما تبقى من جدران القلعة، ترافق مع حملة تنظيف القلعة، وترتيب حجارتها في مكانها، تدعيم الجدران التي تواصل إنهيارها ببطء، مسح طبوغرافي في كامل القلعة وإعادة رسمها كاملة"، حمزة الذي يُعدُّ واحد من أبرز الداعين الى إعادة مجد هذه القلعة يؤكد أنه "قام بهذا المشروع مع طالبة من آل الامين في كلية الهندسة، وأنه وعلى ضوء ذلك وبإهتمام شديد من بلدية شقرا ورؤسائها المتعاقبين مع دائرة الأثار في لبنان تم الإتصال ببعثة فرنسية زارت القلعة، ووعدت بترميمها، وأنه تم إعداد دراستين واحدة فوق الأرض وأخرى بعمق 3 أمتار"، ولكن من وجهة نظر حمزة "هذه الدراسات لا ضرورة لها وهي مصدر هدر للمال، طالما يوجد دراسة أعدها طلاب الجامعة اللبنانية لإعادة بناء القلعة وكانت مجانية فقط دفعت البلدة اجرة مهندس المساحة، جاهزة وقابلة للتنفيذ مباشرة".
في حابل الدراسات ونابل الإهمال القلعة ترابط فوق الإهمال فمتى تعلن صافرة الترميم وهل سيكون العام 2013 عام نهضة قلعة من كبوة الظلم أو ستنام مجددا في العتمة؟
  

السابق
تعطيل الدستوري طائفيا ورهان ضعيف على النصاب اليوم
التالي
النهار: تفاهم بري جنبلاط يعطل المجلس الدستوري ورقة تعلل أسباب الغياب