اللبنانيون يحلقون والسياسيون يهلوسون

قرأت في "الفايننشال تايمس" تصريحا لرئيس وزراء بريطانيا عن عقد منجز لاستيراد كميات ملحوظة من الغاز المسيل من الولايات المتحدة بموجب عقد أنجز مع شركة Cheniere وذلك لفترة 25 سنة.
وقد اعتبر رئيس الوزراء البريطاني أن هذا العقد يوفر لـ 175 ألف منزل في بريطانيا حاجاتها من الغاز لربع قرن بأسعار معقولة ومجدولة بشكل منطقي، كما اعتبر أن هذا العقد يساهم في طمأنة البريطانيين إلى توافر حاجاتهم من الغاز بدءاً من 2017. وتجدر الملاحظة أن بريطانيا أنتجت النفط والغاز من بحر الشمال منذ سنوات، لكن الطاقة بدأت تنخفض في السنوات الأخيرة بسبب نضوب الكميات المتوافرة تدريجاً.
الأمر الذي يسترعي الانتباه أن الشركة المشار إليها والتي هي شركة مساهمة يجري تداول أسهمها في السوق الأميركية، اسسها قبل سنوات شابان لبنانيان يستمران في تسيير شؤونها وكانت أساساً شركة أنجزت مصنعاً لاستقبال شحنات الغاز المسيل المستوردة ومن ثم تحويلها إلى غاز طبيعي يسوق في الولايات المتحدة.
لقد بات معلوما أن إنتاج الغاز في الولايات المتحدة تزايد بقوة نتيجة توافر كميات ضخمة في صخور الطفال ونتيجة هذه الاكتشافات تمثلت في زيادة في إنتاج الغاز في الولايات المتحدة عام 2012 إلى مستوى وفّر كفاية ذاتية للاستهلاك المحلي، على رغم تزايده بسرعة نتيجة التحول إلى محطات إنتاج كهربائية تعتمد الغاز لقيماً بدل الفحم الحجري، كما أن الطقس البارد ساهم في ازدياد الطلب على الغاز لحاجات التدفئة المنزلية.
إن توافر الغاز الطبيعي بكميات كبيرة، تطور مكّن الولايات المتحدة من أن تسبق روسيا في حجم إنتاج الغاز، الأمر الذي يمهد لإنجاز مصانع لتسييله من أجل تصديره، وهذا ما أقدمت عليه الشركة المشار إليها ومشاريعها تشمل أكثر من مصنع لتسييل الغاز، وعقودها تشمل إضافة الى العقد مع بريطانيا عقودا لتصدير الغاز المسيل إلى بلدان أوروبية أخرى ولحساب شركات نفطية عالمية مثل شركة النفط الفرنسية وشركة شل.
وقد حاول الشريكان اللبنانيان البحث جدياً في توفير الغاز المسيل على منصة عائمة لتغذية معمل البداوي تسمح مواصفاته باستعمال الغاز لقيما، وهذا الأمر يؤدي إلى وفورات ملحوظة ويمكن تحقيقه ضمن فترة زمنية لا تزيد على سنتين. لكن التوجه كان في اتجاهات أخرى، ولا مأخذ على ذلك، لكن وزارة النفط بشرت اللبنانيين بمستقبل باهر عبر لافتات مرفوعة على الأوتوستراد، وعلى طريق المطار تقول كل الخبر عنا، عندنا بترول، والطبابة ستكون مجانية كما التعليم وضمان الشيخوخة، اضف أن اللافتات تشير إلى تأمين القاطرات الكهربائية الحديثة كما في فرنسا واليابان والصين، وادرجت صور لها تحمل العلم اللبناني، وإلى توافر أموال تسليح الجيش.
لقد أعلنت وزارة الطاقة أن الطلبات الكثيفة للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية اللبنانية سينجز درسها وجوجلتها خلال هذه السنة وأن عقود التنقيب والإنتاج مع حفظ حقوق الدولة ستكون سارية المفعول بدءاً من 2014.
لا شك في أن هذه الخطوات واعدة ومفيدة، لكن توافر النفط والغاز أمر يرتهن بنجاح أعمال التنقيب والتطوير وهذه قد تؤدي إلى نتائج جيدة، وقد لا تؤدي إلى ذلك، علماً ان الدراسات الجيولوجية والمسوح التقنية وخبرة إسرائيل وقبرص تشجع على توقع نتائج إيجابية.
في المقابل، ان إنتاج النفط والغاز وتحصيل مداخيل جارية، أمر لا يمكن تحقيقه قبل انقضاء ست سنوات، أي ان النتيجة المرتقبة إن كانت إيجابية لن تؤتى مداخيل ملحوظة للبنان قبل 2020.
الأبحاث المستفيضة عن استعمال مداخيل النفط والغاز مستقبلاً ركزت على إنشاء صندوق سيادي تستعمل موارده على الشكل الأفضل وبحسب خيارات يقرها مجلس النواب الذي تنحصر به مسؤوليات الجباية والانفاق، وتاليا فان اللوحات الإعلانية تخالف التوقعات على صعيدين:
أولاً: موارد النفط والغاز ليست متوافرة حالياً ولن تكون في المستقبل القريب، ما عدا ما يمكن تحصيله كمدفوعات مسبقة لحيازة حقوق التنقيب والإنتاج، وهذه المدفوعات التي يمكن أن تكون ملحوظة لا يمكن أن توفر العلاج المجاني، والعلم المجاني وضمان الشيخوخة.
ثانياً: وزارة النفط والمياه ليست مخولة إدارة الصندوق السيادي في تاريخ تأسيسه، كما ليست هي السلطة المكلفة اختيار الاستعمالات للموارد.
ومن المهم التذكير بأن البلد مقبل على انتخابات لمجلس النواب قد لا تجرى في حزيران والأرجح أن تؤجل بضعة أشهر وأي مجلس يتشكل سيكون له الحق في مناقشة أوجه استعمال الموارد، وأي نسبة منها تخصص لإطفاء الدين العام المتراكم.
والأهم من الملاحظتين المدرجتين، التنبيه إلى أن الفترة الفاصلة أي ست سنوات على الأقل ما بين الترخيص والإنتاج وتحقق المداخيل، يجب أن تعالج خلالها قضية العجز في الموازنة وتراكم الدين العام.
ان الحكومة المرتقبة برئاسة رجل حكيم وذي خبرة، قد لا تستطيع التركيز على قضايا النفط والغاز، لكنها بالتأكيد لن تسمح بوضع برنامج لاستعمال موارد مالية مرتقبة بعد ست سنوات لأغراض اختارت توصيفها وزارة النفط والمياه تمهيداً ربما لانتخابات نيابية ومن بعد خيارات رئاسية.
وعلى رغم توقع انحصار دور الحكومة العتيدة ببضعة أشهر وتركزها في المقام الأول على إجراء انتخابات نزيهة وشفافة، لا بد لها من التركيز على موضوع المالية العامة، خصوصا وأن مشروع إقرار سلسلة الرتب والرواتب سيعلق على مناقشة الحكومة العتيدة في مجلس النواب لآراء وتوجهات النواب الحاليين او الجدد أو ربما ترك الموضوع لحكومة ما بعد الانتخابات.
لبنان في حاجة الى مقدار كبير من العقلنة والالتزام لمستقبل الأجيال الشابة التي اقفلت في آفاق تفكيرها فرص الأمل في مستقبل أفضل وباتت تركز على اكتساب الوظيفة في الخارج في مؤسسات تتفاعل مع تطور التكنولوجيا والعلوم في مجتمعات تسير لمصلحة مواطني البلدان المعنية.  

السابق
ولاية لبنان .. متى يُعلَن أميرها؟
التالي
الهجوم الإفتراضي لـ النصرة في الضاحية: المزح والجد