المر والأكثر مرارة في الموضوع السوري

لا أتصور أن أياً من القادة وكبار المسؤولين العرب من الذين يشاركون في صناعة القرار بمن في ذلك رئيس وزراء قطر وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم كانوا يتمنون أن تصل الحال ازاء المحنة السورية إلى حد إجلاس المعارضة السورية في شخص رئيس الائتلاف معاذ الخطيب في مقعد الدولة السورية وإستبدال علم الدولة بالعلم المفترض اعتماده في حال كُتب للانتفاضة السورية المتواصلة النجاح بإنهاء النظام الذي يقوده الرئيس بشَّار الأسد.
أما لماذا كان هؤلاء لا يتمنون فلأن سوريا احدى دول تأسيس الجامعة العربية، ولأن القمة الدورية هي احدى نتاج الجامعة، ولأن مثل هذه الخطوة تشكًّل سابقة من جهة وبحيث يتم البناء عليها في حال حصول إنتفاضات في دول عربية.
والأهم من هذا كله أن الخطوة ليست مهيأة بما يكفي لتعديل الموقف بحيث تصبح كفة «سوريا المعارضة» أكثر ثقلاً من كفة «سوريا النظام».. إلاَّ في حال إتسع هامش الخطوة بحيث يشمل «منظمة المؤتمر الإسلامي» ويتم إجلاس معاذ الخطيب في مقعد سوريا وتنضم دول إسلامية مقتدرة مثل اندونيسيا وباكستان وماليزيا إلى الدول العربية في موضوع تدعيم المعارضة سياسياً ومالياً وعسكرياً. ومثل هذا الإحتمال وارد إلاَّ إذا كان الرأي السائد هو الإكتفاء بتعريب المحنة السورية لا تدويلها ولا اسلمتها. ونقول لا تدويل وذلك في ضوء التملص المتدرج الذي نلاحظه في مواقف دول ذات أهمية وفاعلة دولياً مثل فرنسا التي بلغت حماسة رئيسها هولاند درجة الإستعداد لتأدية دور عسكري في سوريا يشبه ذلك الدور المبغوض الذي إعتمده الرئيس السلف ساركوزي في ليبيا الذي لم يشفع له دوره العَاصف جواً ذاك من ان ينجيه من مساءلة قضائية في موضوع يتعلق بالذمة المالية وقد يضطره لتسديد الحساب إدانة وتعويضاً مالياً في الحد الأدنى وحُكماً بالسجن مع وقْف التنفيذ في الحد الأقصى.
بالإضافة إلى ما أوردناه، فإن الدول العربية التي أجلست معاذ الخطيب على مقعد بشَّار الأسد وليس إجلاس «رئيس الحكومة» غسان هيتو فعلت ذلك من باب محاولة الضغط الأخيرة على النظام البشَّاري لكي يطوي صفحة العناد ويقرر تدارُك ما قد يكون أعظم في حال قررت الدول العربية، وعلى ما كانت دولة قطر البادئة فيه، الطلب من البعثات الدبلوماسية السورية سفراء كانوا أو قائمين بالأعمال وقناصل مغادرة البلاد وتسليم المقرات إلى سفراء من المعارضة. وفي هذه الحال لا يعود الوضع من جانب هذه الدول ثنائياً أي الإعتراف بالمعارضة كطيف سياسي وعدم الإعتراف نهائياً بسوريا النظام. وعندما يحدث ذلك فإن دول العالم بمن في ذلك روسيا والصين والهند والبرازيل وفنزويلا ستجد نفسها انها أمام حالة جديدة فلا تبقى تغرد خارج السرب الكبير الذي حسم الأمر.
لقد رد النظام السوري على قرارات القمة العربية الدورية في الدوحة بكلام لا يبدل من الأمر شيئاً. وحذت روسيا حذو النظام وقالت كلاماً من النوع نفسه. وبدل أن يقول عمران الزعبي وزير الإعلام السوري إن النظام سيستمر في المواجهة حتى اللحظة الأخيرة، كنا نتمنى أن يتأمل هو والحلقة المحيطة بالرئيس بشَّار من مدنيين وعسكريين في مبررات قرارات قمة الدوحة وليس فقط في ما حوته هذه القرارات. ولو أن هذا التأمل حدث لكان هؤلاء أوصوا بكتابة العبارة الأخيرة من خطاب العناد وإقفال الستارة على المأساة – الملهاة. فالذي أوجب مقررات قمة الدوحة يلخصه المثل الشعبي: ما الذي حوَّجك إلى المر؟ والجواب: ما هو الأمرُّ منه. أي ما معناه انه إذا كانت القرارات جاءت مُرة فإن دواعيها أي ممارسات النظام السوري وأسلوب علاجه للمحنة كانت أكثر مرارة ومنذ اليوم الذي إعتبر فيه ان القصف الصاروخي والجوي للمدن والبلدات والتجمعات سيربي الناس المعترضين، وسيردع الأطياف العربية والإسلامية والدولية عن تأييد المنتفضين على النظام. كما ان القادة والمسؤولين في هذه الدول سيسلِّمون بالأمر الواقع وسيرون أن ما يحصل في سوريا مسألة داخلية. وهذا ربما كان ممكناً في الاسابيع الأولى بدليل ان الأشقاء عرضوا مبادرة عربية كانت كفيلة بإنقاذ أرواح كثيرة ومدن أكثر لكن النظام إستهان وبالغ بالإستهانة وبذلك بات الرد العربي المر هو الحد الأدنى لمواجهة الأكثر مرارة. والله المنجِّي.
… ولهذه الإطلالة على الوضع السوري في ضوء قرارات قمة الدوحة بقية.

السابق
8 و14 آذار يرفضان عودة ميقاتي
التالي
غانم يدرس مشاريع مصدقة في لجنته النيابية