معضلة “المشروع”..


ولا مرّة كان الاستعصاء اللبناني بليغاً إلى هذا الحدّ. كما ولا مرّة كان الإقفال مكتملاً في مناخه السياسي، مثلما هو عليه في هذه الأيام.
وكأنّ الحكومة الموءودة توّجت انتهاء مرحلة في التاريخ الوطني، كانت فيها مصطلحات من نوع الحكومة والرئيس المكلّف والتشريع ومجلس النواب وسياسة لبنان الخارجية وغير ذلك من أطر وأشكال وأنماط دستورية عامة وعابرة فوق الانقسام، أمراً بديهياً قائماً بذاته مثل سائر الأشكال الوطنية التي لا تزال عامة، كالنشيد الوطني والعلم والعملة..
وغالب الظن، انّ تلك كانت أياماً.. ومضت حتى إشعار آخر!
في العاجل والراهن، يستحيل الجدل والحُكم بأنّ الانقسام الذي ولّده مشروع أهل الممانعة، يمكن أن يتحرّك من مكانه الاسمنتي ولو لسنتيمتر واحد. بل العكس هو الذي يحصل. وكلما عبرت نسمة هواء منعشة فوق اليباس ورطّبت الصدأ في القفل، عَمَدَ أباطرة ذلك المشروع إلى سدّ النافذة فوراً وإحكام إغلاقها كي لا يتكرّر الوهم الجميل وتأخذ ملكات الحنين جرعة دعم، إلى ذلك الماضي الذي كان واندثر!
وكأنّه مشروع مكتوب بالملح والكلس. وأصحابه آتون من أماكن لا نعرفها. وفي تلك الاماكن أنّ هذه الدنيا بحالها ليست سوى نوبات متواصلة من النفخ والتوتير والضخ والطخّ والدربكة والتسعير والنزال والعراك وساحة للوغى لا يتطاير من أرضها إلاّ الشرر وقدح النار ورنين الحديد على الحديد. ولا ينبت فيها إلاّ الشوك والزوان والبلاّن، ولا تصدح في سمائها إلاّ طيور البوم والغربان.. والقحط فيها عامر ومشعّ!
مشروع دنيوي بخلاصات دينية. الجدال معه يلامس ممرات التكفير. لكن مصطلحاته "أقل وطأة" من ذلك الحكم المستحيل: تخوين من أوّل الطريق، وكل مَن قال وجادل وناقش وفحص ومحّص وبحش وبحث وسأل وحاول أن يجيب.. كل مَن فعل ذلك، في عُرف أباطرة ذلك المشروع ليسوا سوى عاملين أصيلين وأكيدين في خدمة الصهاينة، دفعة واحدة!
قال شيئاً من ذلك يوم أمس تحديداً، النائب نواف الموسوي. وزاد عليه أكثر: كل ما تشهده المنطقة من البحر إلى البحر (بما فيه الحرب الكورية المقبلة؟!) يستهدف المقاومة ومشروعها ليس إلاّ. والتتمة الطبيعية لذلك القول هي أنّ النقاش في مشروع انتخابي يرضى به الجميع غير وارد: إما "ارثوذكسي" وإما صهيوني! وكل نقاش في الحكومة وشكلها وطبيعتها واسم رئيسها لا يوصل إلى أي مكان إذا لم ينطلق ويعود من وإلى قاعدة "المقاومة"! وكل محاولة لإنعاش الدولة وكينونتها وأطرها خارج ذلك السياق ليست سوى إشاعة مغرضة من تأليف وتوزيع المتآمرين العاملين بدأب من بيروت إلى عكار إلى حلب إلى ريف دمشق من دون إنقطاع!
مشروع كبير ومعضلته أكبر. وأزمته جغرافية وزمانية: في ظنّ أصحابه أنّهم في لبنان فيما هم في إسبارطة أو طهران! وأنّهم في مطلع القرن الحادي والعشرين فيما هم في ماض سحيق!
وفي الحالتين يستحيل النقاش التسووي وينتعش الإقفال ويتمكن الاستعصاء!

السابق
المستقبل: سليمان يسعى الى قواسم مشتركة حول رئيس الحكومة العتيد
التالي
لن تترشح لانتخابات الكونغرس