لماذا لم يمنع المجتمع الدولي إستقالة ميقاتي؟

أطلقت استقالة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي المفاجِئة سيلاً من التساؤلات حول أبعادها وخلفيّاتها على رغم الأسباب المعلنة التي أدّت إليها، ومن هذه التساؤلات، ماذا عدا ممّا بدا حتى بات المجتمع الدولي يتقبّل هذه الاستقالة بعدما كان هبّ عبر سفرائه ومنعَها مُحذّراً من دخول لبنان في الفراغ، وذلك إثر وقوع جريمة اغتيال رئيس شعبة المعلومات اللواء وسام الحسن قبل بضعة أشهر؟…

ومن الأسئلة الكبيرة التي تطرح نفسها بعد استقالة ميقاتي: ما الذي حصل بين اجتماعات روما الأخيرة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري وميقاتي والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وبين جلسة مجلس الوزراء التي خرج منها ميقاتي غاضباً، فمستقيلاً؟ وهل صحيح ما قيل من أنّ ما حصل في روما كان اتّفاقاً على استقالة الحكومة لإرضاء تيار "المستقبل" وحلفائه، فيرضى هؤلاء في المقابل بالمشروع الانتخابي المختلط الذي فصّله برّي؟

وهل هناك تفاهم إقليمي يتمّ طبخه في هدوء بين أطراف اختلفت عشية إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري في كانون الثاني 2011، وأدّى اختلافها إلى زلزال في المناطق القريبة من لبنان وداخله، خصوصاً في سوريا التي يقول كثيرون في صددها، إنّ الاندفاع الخليجي والتركي في دعم المعارضة السورية إنّما يعود في أحد أهمّ أسبابه الى إسقاط حكومة الحريري في لبنان وعدم مساعدة رئيس "القائمة العراقية" أياد علاوي على تولّي رئاسة الحكومة في العراق، والتي آلت إلى نوري المالكي.

وثمّة تحليل آخر لاستقالة ميقاتي يربطها باقتراب موعد الانتخابات النيابية، ورغبته في كسب شعبية كبيرة في مدينته طرابلس التي أعلن في خطاب الاستقالة أنّه يضحّي بروحه من أجلها. فموقف ميقاتي في الدفاع عن ابن طرابلس المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، وفي "انتفاضته" المتكرّرة على تفاهم حزب الله ـ عون، يمكّنه من خوض أيّ انتخابات مقبلة في عاصمة الشمال مع ريفي نفسه والوزير محمد الصفدي وبالتعاون مع الرئيس عمر كرامي، وينزع "اللون الأزرق" عن طرابلس التي بدأ أهلها يشكون من حجم الدماء التي تسيل في شوارعها بلا أفق.

ولا يستبعد بعض السياسيين أن تكون استقالة ميقاتي بهذا المعنى، مشجّعة من أطراف عدّة بعضها محلّي وبعضها الآخر إقليمي لا يريد أن يبقى الصوت السُنّي محصوراً بزعامة واحدة، وهناك تحليلات عدة ستنحاز الأيّام المقبلة إلى كشف أحدها، لكنّ المؤكّد أنّ التفسير الحقيقي لهذه الاستقالة مرهون بما سيليها من خطوات وتطوّرات.

فهل لبنان أمام عودة ميقاتي مرّة أخرى الى رئاسة الحكومة؟ أم أنّ البلاد ستكون أمام احتمال عودة الحريري نفسه ليغلق جرحاً فُتِحَ قبل عامين ونيّف؟ أم سيؤتى برئيس حكومة غير مصنّف على أحد الفريقين 8 و14 آذار، يؤلّف حكومة "حيادية" تشرف على انتخابات نيابية ما زال كثيرون يعتقدون أنّ إجراءَها صعب في المدى المنظور؟

في كلّ الحالات، يمكن القول إنّ ميقاتي الذي عرف كيف يدخل إلى الحكم على رغم كلّ الصعوبات، قادر على الخروج منه أقوى ممّا دخل إليه على رغم كلّ ما واجهه من عوائق وتحدّيات.

ويرى بعض السياسيّين أنّ على أركان الأكثرية الحالية، ولا سيّما منهم "حزب الله" وتكتّل "التغيير والإصلاح" أن يكونا أكثر حذراً في التعاطي مع مرحلة ما بعد استقالة ميقاتي، بل يمكن القول أن يكونا حذرين من "ما بعد ما بعد" هذه الاستقالة. فهذه الأكثرية هي أكثرية مركّبة وحسّاسة، وأيّ تلاعب بها سينعكس سلباً على أركانها، وكذلك على البلاد بأسرها.  

السابق
هل يقع الشيعة في أخطار الموارنة والسنّة فيتسبّبون بحرب
التالي
فرصة؟