فرصة؟

للحكومة الموءودة "مأثرة" لا يمكن أن تخفى على أحد: كشفت بكليتها وبتفاصيلها، أنّ صنّاعها وأربابها قدّموا من خلالها عيّنة أو نموذجاً مباشراً من دون أي برقع أو ستار، عن مستوى أدائهم وطبيعة مشروعهم، وعجزهم في بداية المطاف ونهايته، عن تقديم أي علاج لأي مشكلة، وعن انعدام مساحة القبول بأي آخر عندهم، حتى لو كان خادماً مطيعاً لأوامرهم.
لا مشروع عند هؤلاء خارج سياق السيطرة المطلقة. لكن وحتى تحت ظلال تلك السيطرة، لا يملكون برنامجاً للحكم، قابلاً للحياة.. لا في الاقتصاد ولا في السياسة المالية ولا في التنمية ولا في الإدارة ولا في أي شأن خدماتي قصير المدى أو بعيد.. عامان شهدا امتحاناً تلو آخر، في كل النواحي والمناحي، وسقطوا فيها كلها. وزادوا على الاستعصاء المكين في كل الملفات، أعجوبة أخذ اللبنانيين إلى مراتب تفتيتية لم يسبق أن بلغوها من قبل. عدا عن إدخال الدولة اللبنانية للمرّة الأولى في تاريخها، في نفق الاصطفاف الرسمي النقيض للمؤسسة الشرعية العربية.
منذ أيامها الأولى حملت بذور السوء والخيبة. جاءت بانقلاب غير مألوف في الحياة السياسية اللبنانية. وكسرت بضربة واحدة إرثاً متراكماً من الأعراف الدقيقة، التي يعتبرها كثيرون أهم وأخطر من مواد الدستور نفسه.. كسرت الميزان وظنّ صانعوها أنهم أكبر منه. وأنهم يستطيعون استبداله بواحد من صنع نظام دمشق أو نظام طهران، وأن ذلك يكفي لتركيب سيبة مائلة بعنف لمصلحتهم، وهم الصواريخ ومخازن الذخيرة ومشاريع الاستحواذ والإلغاء.
ثم منذ أيامها الأولى رَكَبها "نحس" الثورة السورية: قلبت تلك المعادلة المستجدة، التاريخية والعاصفة، كل أجندة الانقلابيين اللبنانيين. ورغم ذلك بقي أهل المكابرة على مكابرتهم واستمروا في محاولة فرض قانونهم بالتقسيط وفي كل شيء. في الإدارة والتعيينات والأسلاك الأمنية والعسكرية والقضائية، وصولاً إلى قانون انتخابات يؤمّن الشرعية لسيطرتهم غير الشرعية، لكنه يكرّس ضرب النسيج الوطني اللبناني ضربة مميتة.. ما يعني في آخر المطاف فتنة مستدامة، ربما لا يجد المشروع الممانع الإيراني حياة من دونها!
.. في كل الحالات، يوجّه سقوط حكومة الانقلاب هذه ضربة في عمق ذلك المشروع الإيراني، وضربة أمرّ وأقسى لفرعه الدمشقي بشار الأسد ولـ"تفاصيله" المحلية التي قدّمت في النتيجة، أداء لم يبزّه أحد من قبل، سوءاً.
وبعد ذلك يبقى الاحتمال الآخر قائماً، أي أن تؤدي هذه الاستقالة، إلى تنفيس الاحتقان الفظيع الذي وصل إليه لبنان، وأن تفتح بالتالي مرة أخرى، الطرق المقطوعة بين المعنيين، وأن يكون ذلك مقدّمة لإخراج البلد من كارثة الفتنة القتّالة و"قانونها" الخاص الذي لا يأخذ في الاعتبار كثيراً، لا الصواريخ ولا التنظيم الحديدي، بل "يساوي" بين الجميع في العدم وأهواله!
.. بالمناسبة، متى سيستقيل المالكي في بغداد؟!
  

السابق
لماذا لم يمنع المجتمع الدولي إستقالة ميقاتي؟
التالي
كلهم حريريون