مخاوف من التردّد الأميركي

لبنان لن يخسر شيئاً بسبب عدم شموله بجولة وزير الخارجية الأميركية الحالية في بعض عواصم المنطقة، والتي لا توحي وقائعها بأنها تحمل جديداً من الأفكار أو التوجهات الأميركية، لمعالجة الملفات الساخنة، المزمنة منها والطارئة!
يبدو أن جولة الوزير جون كيري التي أوصلته إلى لقاء نظرائه الخليجيين، لا تخرج عن طابع استطلاع المواقف المستجدة، للأصدقاء والحلفاء من التطورات المتلاحقة، سواء في دول «الربيع العربي»، أم في الملف النووي الإيراني.. ولا ندري إذا بقي للصراع العربي – الإسرائيلي مكان في الأجندة الأميركية الأوبامية!
الواقع أن استمرار سياسة التردد التي يتابعها الرئيس الأميركي في ولايته الثانية، تُعزّز مشاعر الحذر والقلق التي تسود بعض الأوساط العربية، ولا سيما الصديقة والحليفة، من السياسة الأميركية الحالية، وأهدافها الخبيثة، المخفية منها والمعلنة، والتي لا تأخذ دائماً المصالح العربية في الحسبان اللازم.
ولعل التجارب العربية المريرة مع إدارة بوش الابن، والخيبات التي سادت العالم العربي طوال ولاية الرئيس باراك أوباما الأولى، تبرّر حالة الحذر والقلق التي تهيمن على دوائر القرار العربي، عشية وصول الوزير كيري إلى المنطقة، بعدما فتح أبواب الحوار والتساهل مع طهران على مصراعيها!

ليس بين العرب، وخاصة في دول الخليج، من يؤيّد، أو حتى من يُحبّذ، استخدام القوة لحسم الملف النووي الإيراني، وهذا الموقف المُعلن والصريح، أحيطت به واشنطن مرات عدّة، كما أن طهران لم تكن بعيدة عن خلفياته وأجوائه، ولكن ثمة مطالبة عربية مُلحّة بانتهاج نهج حاسم وواضح وثابت، مع نظام الملالي في طهران، بهدف إيجاد حلول للأزمات التي تتدخل طهران في تفجيرها، ثم في إدارتها، واستغلالها بما يحقق توسيع نفوذها في الإقليم.
ولا حاجة عربية لتذكير «الصديق الأميركي» بأن الأصابع الإيرانية، تحرّك الحوثيين في شمال اليمن، وتشجّع الحراك الانفصالي في جنوبه، وتدعم المعارضة البحرينية، وتتواصل مع المراجع الشيعية في القطيف، إلى جانب دعمها اللامحدود لحكومة المالكي في العراق، ونظام الأسد في سوريا، وحزب الله في لبنان، ومحاولاتها الجديدة في اختراق الوضع المصري على إيقاع الخلافات التي تعصف بين الرئيس مرسي والمعارضة.
وثمة من يُبرّر غياب خطة التصدّي والمواجهة من الجانب العربي، إلى سياسة «الغموض البنّاء»، التي تنتهجها واشنطن حالياً، تجاه التمدد الإيراني في المنطقة العربية!
بل ويذهب بعض المتشائمين إلى حدّ افتراض وجود «قطبة مخفية» بين السياستين الأميركية والإيرانية في المنطقة، والتي تتلاقى على محاصرة الوضع العربي، واستنزافه بسلسلة من الاضطرابات والمشاكل الداخلية، والترويج للخطر الإيراني، وتضخيم التهديد الأمني، بهدف الحصول على عقود التسليح، واتفاقيات التعاون الأمني.

المخاوف العربية من احتمالات إبرام «صفقة ما» بين واشنطن وطهران، تبقى مبررة ومشروعة، قياساً على الصفقة المفاجئة التي تمت بين الطرفين، عشية انسحاب القوات الأميركية من العراق، والتي قضت بتسليم نوري المالكي السلطة في العراق، وإبعاد الفائز بالأكثرية النيابية أياد علاوي عن رئاسة الحكومة، وذلك بالتزامن مع الانقلاب السياسي في لبنان الذي أطاح بحكومة الرئيس سعد الحريري، وهو زعيم الأكثرية النيابية، ونقل الأكثرية إلى ضفة 8 آذار… ضاربة بالمواقف العربية في هذين الملفين عرض الحائط!
ويتساءل أصحاب هذه المخاوف: ماذا يمنع عقد صفقة جديدة بين الجانبين الأميركي والإيراني، بدأت روائحها تفوح من مطابخ واشنطن التي تُكرّر الاستعداد لعقد محادثات مباشرة مع طهران، ومن دون شروط مسبقة؟!!
ولعل حرص الجانبين على إشاعة أجواء من التفاؤل بعد محادثات كازاخستان الأخيرة حول الملف النووي الإيراني، وما سبقها من اتصالات أميركية – إيرانية غير معلنة، يمهّد لصفقة جديدة، قد تكون سوريا، ومعها الوضع اللبناني، محورها الأساس.
وكان لافتاً في هذا السياق، تأكيد وزير الخارجية السوري وليد المعلم من طهران، وأمام نظيره الإيراني، بأن لواشنطن دور في حل الأزمة السورية، وهي قادرة، لو أرادت، على وقف سفك الدماء في سوريا!
تُرى هل مشاعر القلق والحذر في محلها…
أم هي مجرّد هواجس لسياسة التردّد الأميركية… وحالة التشتت العربية؟

السابق
لبنان الساحة..”راجع”!
التالي
جثة على عامود كهرباء شرق صور