حراك سياسي مصري يحرُسه العسكر


ترى مصادر عربية متابعة للشأن المصري أنّ الرئيس محمد مرسي ومؤيّديه في التيار الإسلامي قد نجحوا في انتزاع موافقة شعبية على مشروع الدستور الذي تقدّموا به إلى الاستفتاء، تماماً مثلما نجح معارضو مرسي في انتزاع حيّز مرموق في الحياة السياسية المصرية، ولم يعد في الإمكان الحديث عنهم كمجموعات هامشية لا تمثّل أكثر من عشرة في المئة من المصريّين.

وأيّاً كانت صحّة الاعتراضات التي أثارتها المعارضة والمراقبون المحايدون على سير العملية الانتخابية، فإنّ الذريعة الكبرى التي يمتلكها معارضو الدستور اليوم هي أنّه لم يحصل على أكثر من 15 في المئة من مجموع من يحقّ لهم الانتخاب من المصريّين.

ويعتقد المتابعون للشأن المصري أنّ الكتلة الاساسية التي رجّحت كفّة مؤيّدي الدستور تعود الى ما يعرف في مصر بـ»كتلة الاستقرار» والتي تضمّ عدداً كبيراً من المصريّين غير المسيّسين الذين يعتقدون أنّ التصويت بـ»نعم» سينهي مرحلة الفوضى التي ترافق الحياة السياسية المصرية منذ ثورة يناير.

وقد كان واضحاً أنّ الذريعة الأساسية التي كان يستخدمها مؤيّدو الدستور لإقناع المصريّين بالتصويت لمصلحته، ليس مضمونه وموادّه، بمقدار ما كان إغراء الاستقرار الذي يتطلّع إليه المصريّون بعدما أدّى غيابه الى تسيّبٍ أمنيّ وترَدٍّ اقتصاديّ كشف عنه انهيار سعر صرف الجنيه المصري من نحو 5 جنيهات للدولار الى 6,25 للدولار الواحد، بحيث إنّ العملة المصرية قد انخفضت نحو 25 في المئة في الاشهر الماضية.

وتقول المصادر المُطلعة على أوضاع السياحة المصرية إنّ حجم الخسائر في السياحة الشتوية قد بلغ 300 مليون دولار أسبوعيّاً، وهذا ما يفسّر النسبة العالية من المؤيّدين للدستور من المحافظات ذات الطابع السياحي، كالأقصر وأسوان وشمال سيناء وجنوبها، ناهيك عن الوادي الأحمر ومناطق أُخرى معروفة بحساسيتها السياحية.

ولذلك يتصرّف المعارضون واثقين بأنفسهم في مواجهة المرحلة المقبلة، خصوصاً في انتخابات مجلس الشعب المتوقَّع إجراؤها بعد شهرين، ويعتبرون انّ ظروفهم فيها ستكون افضل ممّا كانت قبل عام تقريباً، ذلك أنّهم قد وحّدوا صفوفهم في إطار «جبهة الإنقاذ»، واستفادوا من الاستفتاء على الدستور وقبله الانتخابات الرئاسية لاستدراك الثغرات في ماكيناتهم الانتخابية والتعلّم على مواجهة كلّ أشكال التلاعب بالعملية الانتخابية والتي تجلّت أخيراً في ممارسات من نوع غياب عدد كبير من القضاة المشرفين وتأخير فتح اللجان الانتخابية لساعات، وإقفال بعضها قبل الموعد المقرّر وتنظيم حشود أمامها لكي يصيب الناخبين المعارضين اليأسُ من الانتظار طويلاً في الطابور، ناهيك عن الضغط على الناخبين خارج اللجان وداخلها، ومنع مجموعات كبيرة من الناخبين المعارضين من الوصول الى صناديق الاقتراع.

بعض المتشائمين يعتقدون انّ الاستفتاء قد تحوّل مشكلة مصرية جديدة في وقت كان المصريّون ينتظرون ان يكون حلّاً لنظامهم السياسي، ويعتقد المتشائمون انفسهم انّ هذا الانقسام المتصاعد سيؤدّي الى قمع الحرّيات، خصوصاً حرّية الإعلام والإبداع، وهو ما تجلّى في الحملة السياسية والاعتداءات الجسدية على اعلاميّين بارزين وفنّانين مشهورين، ناهيك عن المؤسسات الإعلامية نفسها.

ويضيف المتشائمون أنّ نُذُراً ميليشيوية بدأت تظهر في المجتمع المصري بما يُذكّر بحالات سابقة لثورة يوليو 1952 حيث تفشّت في صفوف المصريّين ظاهرة «الحرس الحديدي» التابعة للقصر الملكي، و»القمصان السود والزرق» التي اعتمدها بعض الأحزاب.

ويخشى المتشائمون من أن تجد هذه الظاهرة الميليشوية دولاً وجهات خارجية تغذّيها بالمال والسلاح لتدمير مصر من الداخل، خصوصاً أنّ ترسانة السلاح الليبي في عهد القذافي باتت تهرّب يوميّاً إلى مصر من حدودها الغربية، وأنّ وسائل الاعلام المصرية تمتلئ بأخبار مصادرة أسلحة خفيفة وثقيلة، حتى بات المصريّون يقولون: «إذا كانت هذه كمّيات السلاح التي تمّت مصادرتها، فكم هي الكمّيات التي لم يتمّ الكشف عنها».

وفي مقابل المتشائمين يراهن بعض السياسيّين المصريين على التزام مرسي التعهد الذي قطعه قبيل الاستفتاء بأنّه في حال التصويت بـ»نعم» للدستور فإنّه سيدعو القوى السياسية الى حوار حول المواد الخلافية الثلاثين في الدستور ويتمّ الاتفاق على تعديلها، ثمّ توقِّع هذه القوى وثيقة التعديل وترسلها الى مجلس الشعب المنتخب ليقرّها بغالبية الثلثين، فيصبح الدستور بذلك أكثر تعبيراً عن التوافق المصري العام.

في أيّ حال، يبدو أنّ مسار الحراك السياسي ما زال طويلاً في مصر قبل أن تصل الى برّ الأمان، ولكن القادة المصريّين عموماً متّفقون على أمر أساسيّ وهو أن يبقى هذا الحراك، مهما اشتدّت نبرته، حراكاً سلميّاً ديموقراطيّاً، وهم مطمئنّون الى انّ القوات المسلّحة المصرية ستكون جاهزة دائماً لمنع انحرافه عن مساره السلمي.

فهل سيتمكّن المصريّون من الانتصار مجتمعين على مشاريع خارجية لا تريد الخير لبلدهم وتسعى الى استغلال الخلاف السياسي من أجل تمرير مخطّطاتها؟

سياسيّ مصريّ بارز يقول: «إذا نجح الحكم في تمرير الدستور، فنحن واثقون بأنّ الشعب المصري لن يسمح بتمرير الاحتراب الاهلي».  

السابق
الراعي في رسالة الميلاد: لحكومة جديدة قادرة على قيادة البلاد نحو الانتخابات
التالي
خطـة طوارىء لإغاثية للاجئين السوريين والفلسطينيين جنوبـاً