ثلاثون من الذهب ثمن خائن بلاده

لا يمكن للمراقب لما يحدث في سورية إلاّ أن يتعجب من تصرفات بعض حكام دول مجلس التعاون الخليجي، وبالأخص المملكة السعودية وقطر. والتعجب منبعة الحقد المسموم الذي يبديه حكام هاتين الدولتين على سورية ويظهر يوماً فآخر أنه ليس وليد السنتين الماضيتين، أي مع بدء الحوادث في سورية، بل وليد سنوات من الحقد انتقاماً من سورية على مواقفها القومية حيال فلسطين ولبنان والعراق ووقوفها إلى جانب القضايا القومية رغم كل المصاعب والحصارات التي تعرضت لها منذ عام 1970 إلى اليوم.
إنهم يحاربون سورية إذ عرّتهم أمام شعوبهم يوم اجتاح الأميركيون العراق عام 2003. ويتآمرون على سورية مذ رفضت أن تتخلى عن المقاومة الفلسطينية واللبنانية بعد سقوط بغداد ومجيء وزير الخارجية الأميركي آنذاك إلى دمشق لفرض شروطه على الرئيس بشار الأسد فكان جواب الرئيس السوري أن القضايا القومية لا يمكن المساومة عليها.
مؤامرتهم على سورية استمرت يوم اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق، رفيق الحريري، ومحاولة إلصاق التهمة بسورية لزرع الفتنة بين اللبنانيين من جهة والفرقة بين بعض اللبنانيين وسورية من جهة أخرى، ونجحوا في مؤامرتهم هذه إلى حد بعيد. وبانت مؤامرتهم أشد وضوحاً يوم وقفوا ضد المقاومة في لبنان إبان حرب تموز وتمنياتهم القلبية بأن تهزم المقاومة على يد الجيش «الإسرائيلي»، لكن صمود المقاومة الأسطوري خذلهم وكان بفضل وقوف الجيش والشعب معها وبالطبع بفضل الدعم السوري غير المحدود وخاصة بالسلاح النوعي الذي دمر أسطورة دبابة الميركافا وطائرة الفانتوم وقصة الجندي «الإسرائيلي» الذي لا يقهر.
مؤامرتهم على سورية استمرت عام 2008 يوم وقفت سورية وقيادتها مع مقاومة فلسطين التي نجحت في التصدي للاجتياح «الإسرائيلي» لغزة ودحرت دباباته ومشاته مرة أخرى، وكان أيضاً بفضل مساعدة سورية التي كانت تحرم شعبها الخبز والطحين والرفاهية وتقدم المساعدة إلى المقاومة لإيمان قيادتها بأن المعركة مع «إسرائيل» ليست مسألة فلسطينية أو لبنانية أو أردنية فحسب، بل هي معركة المصير القومي.
ليست الديمقراطية ولا حقوق الإنسان ما يحمل أعراب الخليج على دخول الحرب علانية ضد سورية، فلو كان المطلب هو الديمقراطية لكان الأولى أن يبدأوا بأنفسهم ، لكن المطلوب أو المفروض عليهم هو تدمير سورية وإدخالها بيت الطاعة الأميركي-»الإسرائيلي»، وتدمير ترسانتها العسكرية المتطورة وتشتيت جيشها الذي تربى على العقيدة القومية وعلى أن يكون «حامي الديار»، وإنهاء فكرة الوحدة القومية إلى الأبد، وذلك كله لا يتحقق إذا كانت سورية دولة قوية، موحّدة، قادرة، وتحمل رسالة سامية إلى العالم العربي مفادها أن كل العرب متساوون في سورية وكان ذلك يطبق على الرعايا العرب كافة الذين عاشوا أو زاروا سورية طوال نصف القرن الماضي.
العرب، أو على الأقل بعضهم، ينتقمون اليوم من الرئيس بشار الأسد لوصفه إياهم «بأشباه الرجال» بعد انتصار تموز 2006. هؤلاء الأعراب سيزيدون من شراسة الهجوم على سورية في الأيام والأسابيع المقبلة إذ يعرفون أن مصيرهم معلق بالنتائج، ولأن انتصار سورية عليهم يعني نهاية مسيرتهم تحت حماية سيدهم الأميركي ورعايته، إذ سيعمد إلى تغييرهم واستبدالهم بأنظمة «ديمقراطية» على شاكلة ما حدث في مصر وتونس وليبيا.
هؤلاء العرب ومن يتعامل معهم من السوريين ينطبق عليهم صفة الخونة، والتاريخ يخبرنا أنهم سيلقون المعاملة نفسها التي تلقاها ذلك الضابط النمساوي الذي خان جيش بلاده وأرشد قوات الغازي نابليون بونابرت على نقاط الضعف في الجيش النمساوي إبان حصار فيينا فاستطاع القائد الفرنسي دخولها بعد عجز طويل.
وعندما مد الضابط الخائن يده لمصافحة نابليون، رفض هذا الأخير مصافحته ونظر إليه باحتقار ورمى صرة من الذهب على الأرض ليلتقطها. ولما سأله جنوده « لِمَ عاملته بهذا الاحتقار»؟ أجاب نابليون: «هذا الذهب لأمثاله، أما يدي فلا يمكن أن تصافح رجلاً يخون بلاده».
ثلاثون من الذهب ثمن خائن بلاده.  

السابق
مذكرات ومذكرات مضادّة: مسدّس في فم القضاة
التالي
خربها الإسلاميون