قِدَم بوتين

تخطيء زهافا غلئون حينما تُقارن بين فلادمير بوتين وافيغدور ليبرمان. فبوتين رئيس قوي وحّد بطريقته وشكّل مرة اخرى دولة منتقضة العُرى وجعلها قوة مهمة من القوى الدولية. وليبرمان وزير خارجية فاشل مُقاطَع جزئيا في الولايات المتحدة ومُقاطع جزئيا في اوروبا وهو يجعل اسرائيل تُرى في الغرب دولة فقدت صورتها.
وبوتين قومي روسي يعمل بصورة عدوانية ليُعيد لروسيا قوتها وعظمتها. وليبرمان متهكم اسرائيلي يعمل بصورة تحرشية لا ليخدم مصلحة وطنه القومية بل ليخدم مصلحته السياسية. هل الكلمة هي الكلمة؟ في حين ان بوتين رجل عمل فان الكلمة عند ليبرمان هي كلمة فقط ومن ورائها بواعث شخصية لا تُحل ألغازها.
وهكذا فان الشيء الوحيد المشترك بين الرجل الجدي الخطير في الكرملين والرجل الخطير غير الجدي من مستوطنة نوكديم هو عدم ثقتهما بالجهاز الديمقراطي وبعالم المصطلحات الديمقراطية. فبوتين وليبرمان ايضا لا يلتزمان بحقوق الأقليات وحقوق الانسان وسلطة القانون. وبوتين وليبرمان ايضا لا يطأطئان هامتيهما أمام استقلال جهاز القضاء ومبدأ فصل السلطات. ويُفضل بوتين وليبرمان ايضا اعضاء مجلس نواب مُعينين خاضعين لفضلهما على اعضاء مجلس نواب منتخبين مخلصين لناخبيهم. ويجعل فلادمير الروسي وافيغدور الاسرائيلي ايضا قيمة القوة العليا فوق قيم الحرية والأخوة والمساواة العليا.
هناك من يزعمون ان انتقاد ليبرمان تُفسده عنصرية معادية للروس وهذا هُراء، فقد كانت الهجرة من روسيا هجرة مدهشة أغنت اسرائيل بكل معنى. لكن المهاجرين من روسيا أرادوا ان يفروا من ثقافة سياسية مستبدة لا اعادة نسخها. وهاجر المهاجرون من الاتحاد السوفييتي سابقا الى حرية كما في امريكا لا الى استبداد كما في روسيا البيضاء. وليس من الصدفة انه حينما استخذى ليبرمان لبوتين في مطلع هذه السنة أثار غضبا عظيما في المجتمع الروسي الاسرائيلي. ان القيم التي عبر عنها استخذاؤه ذاك هي قيمه هو لا قيم الجمهور المدهش الذي يدعي تمثيله.
لا شك على الاطلاق في ان ليبرمان عبقري سياسي. فالعبقري السياسي وحده هو الذي يستطيع ان يضلل دولة كاملة وان يتلاعب كما يشاء ببرنامج عمل كراهية العرب وبرنامج عمل كراهية الحريديين كي يهدم بيتنا الاسرائيلي في حين يبني اسرائيل بيته. والعبقري السياسي فقط يستطيع جعل أعداء اليمين يؤمنون بأنه هو الشخص الذي سيسقط اليمين في حين انه يُقوي اليمين ويزيده تطرفا بلا انقطاع.
والعبقري السياسي فقط يستطيع ان يجعل (الرهينة) بنيامين نتنياهو و(الصديق الطيب) حاييم رامون و(الحليف) آريه درعي لا يتجرأون على الثورة عليه.
لكن هذا العبقري السياسي لم يُسخر عبقريته قط لمصلحة دولة اسرائيل. فهل غير طريقة الحكم؟ وهل أسهم في الاقتصاد؟ وهل أحبط التهديد الاستراتيجي الذي كان يفترض ان يواجهه؟ لا، لا، لا. ان ما فعله ليبرمان دائما هو إضعافنا وتقوية نفسه.
وهكذا اخطأت غلئون لكن غلئون كانت محقة جدا. فالكلام الشجاع الذي قالته في بوتين القديم هو أكثر الكلام وطنية مما قيل هنا هذا الاسبوع، ففي الوقت الذي أصبح فيه نتنياهو قرينا خاضعا لايفيت، وفي الوقت الذي أصبح ناس المركز يحجون فيه الى ايفيت، قالت زعيمة اليسار الصهيوني وحدها ما كان يجب ان يُقال في الشخص الشديد الوطء الذي أخذ يسيطر على حياتنا.
ان ما نجح ليبرمان في فعله هنا في العقد الاخير في الحقيقة هو هدم جهاز مناعة الديمقراطية الاسرائيلية. فاذا لم نقف في وجهه الآن فلن نقف.

السابق
هيفا تطمئن جمهورها من اميركا
التالي
ثلاثة أحزاب قوية على الاقل