ذكريات الزمان ونزع السلاح

سنة 1979 كنت طيارا في سلاح الجو اللبناني، وكان اجمل ما عندي ان اقلع بطائرتي الحربية واحلّق في اجواء لبنان، بلدي الذي أحبّ، حتى الثمالية، وكنت كلما اقترب من الحدود السورية اشعر بفرح كبير وبجمال امتداد الطبيعة بين لبنان وبلاد الشام.
اما بالنسبة لفلسطين المحتلة، فلم نكن نستطيع رؤية ما فيها لانه كان ممنوعا علينا ان نجتاز سد قرعون، فنقلع من قاعدة رياق الجوية ونصل الى شتورا وعند شتورا علينا الالتفاف غرباً باتجاه البحر، اذ تمنع اسرائيل علينا وعلى سلاح الجو الحربي اللبناني الطيران على حدود سد القرعون وباتجاه الجنوب مع فلسطين المحتلة.
وكنت فيما انا احلق بطائرتي يأتي امر من برج المراقبة عليكم بالهبوط هناك طيران اسرائيلي في الاجواء، وكنت اتساءل لماذا عليّ انا الشاب اللبناني الذي اعتبر نفسي اني شجاع، ان اهرب من شاب اسرائيلي يقود طائرة اسرائيلية حديثة يحلّق فوق ارض بلدي وشعبي والقرى والمدن اللبنانية وانا عليّ ان اعود ضعيفاً الى قاعدتي الجوية.
في هذا الوقت الذي كانت اسرائيل تعربد وتسيطر كانت هنالك فئة تتآمر مع اسرائيل تحضيرا لحرب 1982 التي جرت فيها اكبر عملية اذلال وهي حرب عاصمة العرب اي بيروت عاصمة لبنان. وسيأتي الزمان الذي ننتقم فيه لبيروت ولشرف بيروت ولشرف لبنان كله، ردا على احراق العاصمة بيروت.
اما الغريب في الامر فانك عندما تشاهد الفئة التي سهلت لعمليات اسرائيل واجتياحها للبنان، والتي كانت مرتزقة عند السفارة الاميركية تطالب اليوم بنزع سلاح المقاومة، وتطالب بألا يكون عندنا قدرة على الدفاع عن ارضنا، وتقول بأن اسرائيل لن تقوم باي عمل ضدنا طالما اننا لا نتحرك ضدها، اضافة الى الثقة العمياء بالسياسة الاميركية – الصهيونية حيث نقول لهم اذا سلمنا سلاحنا كمقاومة فما الذي يردع اسرائيل عن ارسال طائرات هليكوبتر في الليل واعتقال قادة للمقاومة او ضرب اي هدف على الارض اللبنانية والجواب يأتيك طبعا نحن نصدق اسرائيل اكثر مما نصدقكم، الاسرائيليون صادقون اما نحن اللبنانيون فكذابين، اسرائيل تريد كل الخير والعسل واللبن والانهر البيضاء في لبنان، ونحن نريد الاعتداء على اسرائيل الضحية.
اكملت طيراني في سلاح الجو اللبناني، ولكن كم كنت اشعر بالحزن العميق ان شاباً اسرائيلياً يأمر اجواء بلادي ويجبرني على الهبوط لان السياسيين عندنا لم يبنوا جيشاً بل سرقوا الاموال وكلهم بكاوات ومشايخ وقيادات وزعامات فارغة لا تعرف الا سرقة الاموال والمصالح الشخصية.
طوال 50 سنة لم يقوموا بتسليح الجيش اللبناني، وطوال 50 سنة سرقوا البلد اولئك البكاوات والمشايخ والزعامات والقيادات التي تمشي الناس وراءهم كالقطعان مثل قطيع غنم يمشي وراء كرّاز تم وضع جرس في رقبته، فيسير ويمشي القطيع وراءه.
اليوم اطرح موضوع الحوار، الرئيس ميشال سليمان يقول انه يقدم السياسة الدفاعية، وهنالك اغبياء على الطاولة يتحدثون عن العقيدة القتالية وهو امر سبق ان اعلنه الرئيس اميل لحود مع اجهزة مخابراته عندما تحدثوا عن العقيدة القتالية، والصحيح في العالم انه لا يوجد عقيدة قتالية، بل يوجد خطة قتالية، اما السياسة الدفاعية فهي سياسة تنطلق من كيفية حماية الوطن، واذا كان الرئيس سليمان وكل حكومته ومجلس نوابه وكل علاقاته غير قادرة على شراء صاروخ ارض ـ جو لمنع الطيران الاسرائيلي من قصفنا، واذا كان الرئيس سليمان غير قادر على استملاك صاروخ ميل بحري للدفاع ضد البوارج الاسرائيلية، واذا كان ممنوعاً علينا كل سلاح دفاعي حقيقي ونقول دفاعي وليس هجومي، فعن اي سياسة دفاعية تحدث الرئيس سليمان؟
بالله عليك يا فخامة الرئيس وانت صاحب الـ40 سنة خدمة في الجيش اللبناني، لا تفعل مثل اميل لحود، ولا تكذب على الناس، بل قل لنا انك غير قادر على تأمين الدفاع عن لبنان، كجيش وكشعب من دون سلاح.
اما القادر على ردع اسرائيل فهي مقولة سلاح المقاومة الرادع بالصواريخ القادرة الان على ضرب تل ابيب وعلى ضرب المعامل الكيمائية في تل ابيب اضافة الى كل المدن الفلسطينية المحتلة.
اوقف الحوار يا فخامة الرئيس لانه اصبح مهزلة، وهل علينا ان نصدق ان الجالسين على الطاولة يفهمون بالسياسة الدفاعية، ويفهمون كيف يتم الدفاع عن 10452 كلم مربع وقربنا سوريا ومساحتها 18 مرة مساحة لبنان، وقربنا العدو الاسرائيلي الذي لديه اكبر ترسانة اسلحة بعد الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا، لان الاسلحة الالكترونية المتطورة مع الطائرات اقوى من سلاح الجو الصيني رغم عدد الجيش الصيني الكبير، ولذلك تعتبر اسرائيل خامس دولة في العالم في القوة.
اوقف الحوار يا فخامة الرئيس، كي تترك للحوار قيمة، اما اولئك الذين يطالبوننا بنزع السلاح، فيجب محاكمتهم لانهم ينفذون اوامر صهيونية واوامر اسرائيل واوامر المجتمع الاسرائيلي الاعلى في واشنطن ويريدون ان يكون لبنان ضعيفاً وان تستطيع اسرائيل ضرب لبنان متى تريد وكيفما تريد.
شعب الجنوب تركته الدولة والدول 20 سنة والقرار 425 لا ينفذ، وكلما صعد شاب من بيروت الى الجنوب لزيارة اهله يتم توقيف بعضاً منهم في سجن الخيام وتعذيبهم، ومع ذلك تم تحويل جميع العملاء الى المحكمة العسكرية ولم يتم الانتقام.
وجد اهل الجنوب انفسهم لوحدهم، فحرروا الجنوب سنة 2000، اما في سنة 2006، فخطفت المقاومة جنود اسرائيليين، فاعتبرت اسرائيل ان كبرياءها لا يمس ولا يقترب منه احد، فهي كما تدخل بطائراتها وتقول انزلوا الطائرات اللبنانية على الارض، وكنا مجبرين على فعل ذلك، تريد الان ان تقول اسحبوا الصواريخ، والا اشعلت المنطقة. والحقيقة ان الخائف الكبير هي اسرائيل وان القوي الحقيقي هو لبنان.
اذا كنا نريد ان نبني وطنا قويا فعلينا ان نضع في دستور لبنان بندا كما بند الجيش بند ثابت لان المقاومة هي جزء من المجتمع اللبناني لا يمكن الغاؤه ولا بحثه لا قانونيا ولا عسكريا ولا غير ذلك، بل يكون سلاح المقاومة سلاحا مقدسا من اجل انقاذ لبنان.
كم مرة هبطت بطائرتي لان الطائرات الاسرائيلية في الاجواء اللبنانية وكم مرة حزنت وانا اليوم انظر الى هؤلاء الذين يجلسون على طاولة الحوار، واحتقر الاكثرية فيهم، لانهم يريدون الاذلال الاسرائيلي للبنان، ولا يريدون لبنان القوي، وحساباتهم مذهبية على قاعدة ان المقاومة شيعية، وهم سنّة، او من غير طوائف.
على كل حال، والحمد لله لرب العالمين، ان المقاومة تسير يوما بعد يوم نحو الانتصار. مهما احرقت اسرائيل الكيانات حولها، من العراق الى فلسطين الى سوريا وربما لا سمح الله الى لبنان. هناك رجل عاقل اسمه السيد حسن نصرالله، حفظه الله وأطال الله عمره، ولا نقولها على طريق الدعاوى الاسلامية، بل نقولها على صعيد الدعوى الانسانية اللبنانية الاخلاقية العربية صاحبة المبدأ والنخوة.
واما الباقي غير حسن نصرالله، فما هي الا شخصيات عادية روتينية لا تفهم معنى الدولة ولا قيمة الدولة.
لن نعود الى الوراء واذا ارادت المقاومة لا سمح الله ان تسلم سلاحها سوف ينزل على الاقل مليون متظاهر يرفضون تسليم السلاح ولن نقبل لاحد ان يتسلم السلاح، بل نريد ان يزداد السلاح لدى المقاومة، اذا كنا نريد ان نقول الحقيقة، وهي تزعج ازلام فيلتمان واميركا واليهود، فنحن لا نكتفي بردع اسرائيل، نحن نريد تحرير فلسطين، نحن نريد بستان الليمون الذي سرقوه منا، نحن نريد شجرة الزيتون التي عمرها 500 سنة واخذوها منا، نحن نريد سهول الضفة الغربية، وشاطىء غزة الجميل، ونحن نريد الخليل، ونحن نريد كنيسة القيامة ومهد المسيح والمسجد الاقصى الكريم.
واذا كان الافراد يعيشون 80 و90 سنة فان عمر اسرائيل 64 سنة، وهو عمر ليس بكبير، فالفرد يعيش 90 سنة و80 سنة، سيتغير الزمن فنحن نحتقر طاولة الحوار لانها خارج الزمن ونحترم فقط سلاح المقاومة والمقاومين لانهم شرفنا والمدافعين عنا ومقدمين الدم تلو الدم لتحرير الجنوب ثم لوضع اسرائيل في الهزيمة الكبرى مثلما حصل في 12 تموز والان يجري التحضير من قوى اسرائيلية لشنّ حرب جديدة علينا، مستغلة صراع مذهبي سني – شيعي، ونقول لها انه مهما حصل من انقسام مذهبي وطائفي فاسرائيل دولة زائلة، واسرائيل دولة زائفة، وقضيتنا لن ننساها ويا فلسطين كم نسمع نداؤك كم نسمع هتافك كم نشعر بجراحك يا فلسطين انت تنادي ونحن نسمع ونلبّي النداء، والحمد لله ان المقاومة لبّت النداء، وسيزداد النداء تلبية يوما بعد يوم وقوة اكبر واقوى.
فلسطين لك منا الدم، لك منا كل تضحية، فلسطين انت ستعودين لنا، وشذّاذ الارض الذين جاؤوا اليك واغتصبوا ارضك ستعودين لنا.
من ذكريات انزالي كطيار بسبب طيار اسرائيلي جبان مختبىء وراء طائرة حديثة الى اليوم مسافة زمن تقول ان لبنان قادر على ردع اسرائيل، وانا اقول الحمد لله اني عشت الى هذا الزمن الذي رأيت فيه اسرائيل مهزومة، الحمد لله والحمد لله والحمد لله. والحق سينتصر بالنتيجة.

السابق
الغارة على السودان.. اختراق للانتفاضة العربية
التالي
مهمة الإبراهيمي