الثقافة جنوبا: غياب النشاط المتنوع لحساب الاهتمامات الدينية

في السنوات الأخيرة، يلاحظ المرء ندرة النشاطات الثقافية المتنوعة التي كانت تنظمها الجمعيات والهيئات الثقافية في مدينة صيدا، في حين نمت النشاطات ذات البعد الديني والطائفي وطغت على النشاطات الأخرى كافة. ولذلك قراءات مختلفة باختلاف الموقع الذي ينطلق منه الإنسان.
عند مرورك بتقاطع الياس إيليا في صيدا، تجد في معظم الأحيان، يافطات تدعو العموم لحضور محاضرات اسلامية منها ما يتعلق بالعقيدة والفقه، ومنها ما يتعلق بالسياسة اللبنانية ذات البعد الطائفي والمذهبي، وعند أبواب المساجد تقرأ ملصقات نحدد مواعيد لقاءات دينية دورية لتوعية العامة على أمور دينهم وطقوسهم وشروط العبادة.
في حين يندر أن تجد اعلاناً عن ندوة أو لقاء ثقافي، تدعو إليه احدى الجمعيات، ويتعلق بقضايا المجتمع والحياة الانسانية باتجاه تبادل حر للآراء لتطوير ثقافة متنوعة.

تعريف الثقافة
الثقافة كلمة عريقة في اللغة العربية أصلاً، فهي تعني صقل النفس والمنطق والفطانة، وفي القاموس المحيط: ثقف ثقفًا وثقافة، صار حاذقًا خفيفًا فطنًا، وثقَّفه تثقيفًا سوَّاه، وهي تعني تثقيف الرمح، أي تسويته وتقويمه. واستعملت الثقافة في العصر الحديث للدلالة على الرقيّ الفكري والأدبي والاجتماعي للأفراد والجماعات. والثقافة ليست مجموعة من الأفكار فحسب، ولكنها نظريٌة في السلوك بما يرسم طريق الحياة إجمالاً، وبما يتمّثل فيه الطابع العام الذي ينطبع عليه شعبٌ من الشعوب، وهي الوجوه المميّزة لمقوّمات الأمة التي تُمَيَّزُ بها عن غيرها من الجماعات بما تقوم به من العقائد والقيم واللغة والمبادئ، والسلوك والمقدّسات والقوانين والتجارب. وفي الجملة فإن الثقافة هي الكلُّ المركَّب الذي يتضمن المعارف والعقائد والفنون والأخلاق والقوانين والعادات.
أما الثقافة الاسلامية فهي: جملة العقائد والتصورات، والأحكام والتشريعات والقيم والمبادئ والعوائد والأعراف، والفنون والآداب التي تشكل شخصية الفرد وهوية الأمة وفق أسس وضوابط الإسلام.
ومصادرها هي: المصدر الأول: القرآن الكريم. المصدر الثاني: السنة النبوية. المصدر الثالث: الفقه الإسلامي. المصدر الرابع: التاريخ الإسلامي.

أسباب النمو والإنتشار
يرى الخطيب والامام في مساجد صيدا الشيخ مصطفى الحريري: "أن انتشار النشاط الديني الاسلامي في مدينة صيدا واحتلاله حيزاً كبيراً في المساحات الاجتماعية والسياسية يعود إلى ثلاثة عوامل أساسية: الأول، إننا جزء من العالم الذي يشهد نهضة فكرية وصحوة اسلامية وخصوصاً في هذه المرحلة التي يمكن أن نطلق عليها ربيع الشعوب. والعامل الثاني، وجود مساحات كبيرة يستخدمها المتدينون مثل المساجد، المؤسسات الاجتماعية، خدمات الأيتام، الاهتمام بالفئات الأكثر فقراً. وتشكل هذه المساحات منبراً لاطلاق الآراء الدينية وشرح المفاهيم الاسلامية.
أما العامل الثالث، وجود جيل من المشايخ الشباب الناشطين في المدينة مما يترك أثراً في تفعيل الحركة الدينية والثقافة الاسلامية".
ويضيف الحريري: "إن النشاط الثقافي لا يقتصر على الجانب الاسلامي، فمركز معروف سعد له نشاطاته ومنذ فترة نظم شهراً ثقافياً، شارك فيه مفكرون سياسيون وخبراء بيئة وغيرهم، ولا ننسى تجربة ندوة صيدا في المركز الثقافي وخصوصاً في العقد الأخير من القرن الماضي".
ويوضح الحريري أمراً يتعلق بالمحاضرين فيقول :"بعض المحاضرين هم من الدعاة والأساتذة الجامعيين في لبنان، وبعضهم الآخر دعاة من خارج لبنان، لهم جمهورهم مثل راتب النابلسي وزغلول النجار. ويضيف الحريري أن الحضور هو قليل التنوع "لأن العناوين والموضوعات هي التي تحدد الحضور وخصوصاً أنها تندرج تحت التوعية، تقويم السلوك ونشر الأخلاق والفضيلة". ويوافق الحريري على أن معظم النشاطات له طابع تلقيني وتعليمي.

الانحسار الثقافي
ولمسؤول ندوة صيدا في المركز الثقافي المحامي محي الدين جويدي رأي آخر، فإنه يرى أن: "الوضع الثقافي في صيدا معطل، على الرغم من وجود مؤسسات ثقافية عدة في المدينة".
ويشير إلى مسألة أخرى يراها مهمة في هذا المجال، "لقد نشأت جمعيات عديدة لها هدف خيري، ومعظمها يعتمد على المشاريع الممولة مما غيب الوضع الثقافي في المدينة".
ويتذكر جويدي تجربة الستينات والسبعينات من القرن الماضي فيقول: "في تلك الفترة كان المناخ السياسي في لبنان مختلفاً، كان لبنان هو المقر الثقافي والمطبعة والكتاب والمقهى، وكان ملاذ المعارضين العرب، وكل ذلك ساهم في ايجاد مناخ ثقافي واسع، وفي صيدا تجربة مهمة، وهي تجربة نادي خريجي المقاصد وجمعية الأدب والثقافة. كان النشاط أسبوعياً، وكان المشاركون يقضون الساعات في النقاش والتحليل، وهذا جو كان يحميه حيز صغير من الحرية والديمقراطية".
ويستطرد جويدي: "تراجع هذا المناخ في الثمانينات وخصوصاً بعد الانسحاب الاسرائيلي، ولم نستطع استعادة الحيوية الثقافية السابقة على الرغم من بعض الانجاوات في مواجهة العدو الاسرائيلي، وفي التسعينات حاولنا مع بعض الشباب ذوي التجربة إلى استعادة الجو الثقافي، فشكَّلنا ندوة صيدا عام 1997، واهتممنا بالمناسبات الوطنية، ونقاش المواضيع الساخنة المطروحة، واستضفنا محاضرين ومثقفين من كل الاتجاهات السياسية وأحسسنا أن هناك عطشاً لمثل هذا النشاط وخصوصاً في غياب المنابر الثقافية التاريخية الأخرى".
وعن الثغرات التي رافقت العمل، يشير جويدي: "كان معظم جمهورنا من أصحاب تجربة السبعينات، حاولنا مراراً إشراك الشباب، ولكن يبدو أن اهتمامات الشباب كانت في وادٍ آخر".
وعن نمو النشاط الديني، يشير جويدي إلى التجارب الوطنية المهزومة "مما دفع إلى استعادة المناخ الديني وقد تأثر لبنان بذلك وخصوصاً أن بعض الاتجاهات الدينية اعتقدت أنها المقاومة لوحدها وشطبت ما فيها".
ويشدد على أن تراجع التيارات الديمقراطية في لبنان قد يكون سبباً لنشاط الاتجاه الديني "ربما لأنه الأكثر تنظيماً، طغيان المفاهيم الطائفية على جميع جوانب الحياة".
ويوافق رئيس حلقة التنمية والحوار إميل اسكندر على تراجع النشاط الثقافي في مدينة صيدا، ويعيد ذلك إلى عاملين: "الأول، الاحباط عند عدد كبير من المثقفين بسبب عدم تنفيذ الجوانب الاصلاحية من اتفاق الطائف، وقناعة هؤلاء بانسداد الأفق أمام التغيير والاصلاح بسبب النظام الطائفي القائم على المحاصصة واستشراء الفساد وسوء الإدارة وعدم فصل السلطات. والثاني :نمو التيارات الطائفية وأخذ الساحة الثقافية إلى ارتهان سياسي أو طائفي أو فئوي.
يختم الجويدي الموضوع قائلاً: "عندما قتل حسين مروة ومهدي عامل، كان يجب أن نعلم إلى أين تسير الثقافة في لبنان".
  

السابق
دينا حايك تنجو من الموت
التالي
افادت معلومات صحافية ان القاضي داني زعني ادعى على كل من آمر فصيلة زحلة وآمر سجن زحلة وضابط الدوام وثلاثة عسكريين من المكلفين المراقبة، بالاهمال