صالح: برّي لا يراهن على عدم اتفاق المسيحيين

يقف الرئيس نبيه بري مترقبا كالعادة فيما يضج المحفل السياسي ناسجا مشاريع واقتراحات للقانون الانتخابي الذي سينجز استحقاق 2013 النيابي وسيفتح باب الانتخابات الرئاسية على مصراعيه، وفي صخب التطورات تبقى عين بري على البحر حيث تختمر نعمة لم يعرف اللبنانيون قيمتها بعد فيما تعمل اسرائيل ليل نهار على اطلاق عملية استخراج النفط وتوقيع المعاهدات مع قبرص.

وعلى امل تجاوز قطوع "المخطوفين" وما اريد منه لاشعال فتنة سنية شيعية يبقى الانتظار سيد الموقف على وقع التطورات المقلقة في سورية. هذه المحطات وغيرها عرضتها "صدى البلد" مع عضو كتلة التنمية والتحرير النائب عبد المجيد صالح الذي كان لنا معه هذا الحديث.

*هل سيلتزم الافرقاء كافة بالمهلة القانونية التي حددتها اللجان النيابية المشتركة، والا يعني عدم التوصل الى صيغة موحدة لقانون الانتخاب نسفاً للاستحقاق النيابي؟
قامت اللجان النيابية المشتركة بتحديد المهلة القانونية كي لا نعود الى قانون الستين وكي لا يسبقنا الوقت وكي تستطيع الحكومة ان تتخذ اجراءاتها الادارية والاعداد للانتخابات النيابية وللتدليل على جدية المجلس النيابي واللجان النيابية المشتركة التي تمثل كل الاطراف السياسية باجراء الانتخابات في موعدها.

وما من طرف في الحقيقة يريد التفريط بالاستحقاق الانتخابي ولكن يفترض بالمهلة المتبقية ان تكون كافية للاتفاق على قانون يصب في مصلحة جميع اللبنانيين وان يكون موضع اجماع. ونحن بحاجة الى قانون انتخاب لا يقتصر على هذا الطرف او ذاك انما الى قانون عصري يخدم كل اللبنانيين وليس الى قانون مرحلي يتغير كل 4 سنوات. وبعد زيارة قداسة البابا والاشادة بلبنان واعتباره بلدا نموذجا يحتذى للعيش المشترك الا يستأهل لبنان ان يكون نافذة للحوار ومنطلقا لحوار الحضارات. فلبنان نافذة، وصحيح انه بلد صغير ولكنه يشكل نكهة كبيرة للعالم، فلا غنى عن لبنان لا اقليميا ولا دوليا، وهذا ليس مديحا للبنان انما تعبير عن الواقع بمعزل عن السياسات المحلية والسياسات الضيقة والاستقطابات التي تلفح اللبنانيين جميعا.
ولذلك قانون الانتخابات ينبغي ان يكون، بغض النظر عن الانقسام العمودي الحاصل الفتنوي بين مكونات لبنان السياسية، بمعزل عن كل هذه السياسات لكي يكون مستقبل لبنان وان لم يكن لنا فلاجيالنا القادمة.

ولكن هناك بون شاسع بين طرح الدوائر الوسطى على اساس النسبية وبين طرح الدوائر الصغرى ولا يبدو ان كلا المشروعين موضع توافق وبالتالي ما الصيغة التي ستشكل المخرج؟
دعنا لا نعبر الجسر قبل الوصول اليه لانه ينبغي ان يتوصل اللبنانيون الى صيغة مع العلم ان هناك صيغا مرفوضة سلفا بين فريقي 8 و 14 آذار. فاليوم تنشط معامل الحياكة، بدءا بمشروع الدوائر الصغرى الذي وصفه الرئيس نبيه بري بانه تفتيت المفتت، وكنا قد عبرنا في زيارة البابا عن موقف موحد ويحمل انفتاحا على الآخر وتوسيع رقعة الانتخابات وبناء التحالفات الانتخابية على مستوى وطني لا عزل اللبنانيين عن بعضهم البعض والابتعاد عن الخطاب التحريضي.

*هل يراهن الرئيس بري على عدم اتفاق المسيحيين عندما يعلن استعداده للسير باي قانون يتفقون عليه؟ وماذا لو اتفقوا على الطرح الارثوذكسي؟
الرئيس بري قال بما معناه اذا اتفق المسيحيون انا لست ضد الاتفاق، وهو لا يراهن على عدم الاتفاق وليس من مصلحة اي طرف سياسي ان يرى انقساما مسيحيا بهذا الشكل. فالامام الصدر كان يردد دائما "الشريك المسيحي" الشريك الذي يجب ان يكون قويا، وعندما نتحدث عن المناصفة وعن المشاركة نعني بها الشراكة الحقيقية القوية وليست بين القوي والضعيف، فمنذ ثورة 1958 عرف اللبنانيون ان لبنان لا يبنى على قاعدة غالب ومغلوب. والرئيس بري لاعب ماهر وسوف يخضع المجلس النيابي الى نقاش ديمقراطي وحضاري وكذلك سوف يبحث عن قانون يحظى باجماع الاكثرية الساحقة من اللبنانيين والاطراف السياسية. وباعتقادي ان مشروع اللقاء الارثوذكسي لم يكن موضوع اجماع في حين عمد البعض الى انكاره ثلاث مرات قبل صياح الديك.

*مرة جديدة يتحول النائب وليد جنبلاط الى بيضة القبان في ظل الانقسام الذي يشهده المجلس النيابي وهو المعروف بمعارضته للنسبية ودعوته للحفاظ على القانون الحالي فهل نحن امام عودة الى قانون الستين؟
الجميع يقول انه اذا لم يصر الى اتفاق على قانون انتخاب جديد فلا خيار الا قانون الستين، ولكن هناك خلافا كبيرا حول قانون الستين خصوصا من قبل الافرقاء المسيحيين الذين يرفضون هذا القانون. واعتقد انه من المبكر جدا ان يرسو قانون الانتخاب على برّ في هذه المرحلة بالذات. وهناك اوراق تبقى دائما مستورة ولا يجوز عادة كشف الاوراق في الجلسة الاولى والثانية ولذلك حسنا فعلوا بوضع ضوابط زمنية. ويجب ان تكون الصيغة التي ستعتمد كما صيغة لا غالب ومغلوب متفقا عليها، ونحن في كتلة التنمية والتحرير نتحدث عن قانون يحاكي روحية اتفاق الطائف مع العلم اننا في المبدأ ندعو الى اعتماد لبنان دائرة واحدة على اساس النسبية، الا ان هذا المشروع بعيد المنال الا ان بديله لا يمكن ان يحط في القضاء او الدوائر الصغرى فنحن نقول ان اتفاق الطائف اشار الى الانتخابات النيابية على مستوى المحافظات او اعادة النظر بالمحافظات اي الدوائر الوسطى والكبرى ونحن مع هذه الدوائر. ومن المؤكد ان المجلس النيابي لن يخرج خالي الوفاض من قانون انتخاب يؤمن صحة التمثيل، كما ان جميع الاطراف حريصون على عدم التفريط باجراء الانتخابات في موعدها المحدد.

*لمَ التلويح بانتخابات رئاسية مبكرة؟
بعض الطروحات المتعلقة بقانون الانتخاب هي جردة حساب وكمحاولة للالتفاف على الانتخابات الرئاسية، وتوظيف القانون للحصول على اكثرية تنتخب رئيس الجمهورية المقبل. الا ان الحديث عن الانتخابات الرئاسية اليوم ليس واردا بتاتا.

*هل يمكن القول ان لبنان تجاوز مرحلة الخطر من منزلق امني خطير نتيجة لتأثير الازمة السورية؟
بُذلت جهود كثيفة وجبارة وهذا البلد يشتد عصبه فعلا في اوقات الازمات، ومن يراقب الاوضاع الامنية ومن يراقب المرحلة التي تلت عملية اختطاف المواطنين اللبنانيين في سورية خرج بمشهد كئيب ان هناك محاولة لاخراج السلم الاهلي اللبناني من دائرة الاستقرار وضرب هيبة الجيش والسلطات والعودة الى امارات الزواريب والاحياء وهناك من كان يريد اسقاط الدور الامني لهذه المؤسسة التي ننحني لها دائما باجلال واكبار والتي نعتبرها صدقا صمام الامان وان الامن الذي كاد ينهار ويتأرجح ما بين الخطف وبين هذا الابتزاز الجديد والعصابات الجديدة التي تشكلت والتي وجدت الامر سهلا واستفادت من تداعيات ما يجري في سورية وظنت ان الامور قد اصبحت تحت سيطرتها. ولكن رأينا موقفا اساسيا وحازما للجيش والرؤساء الثلاثة بالوقوف في وجه التعدي على الدولة وعلى الجيش وهيبته. في وقت كان البعض يتحدث عن المربعات الامنية والقمصان السود لكن انا اعلم انه كانت هناك مرارة في الضاحية وشوقا الى وجود الجيش وما حدث يؤكد ان الدولة واجهزتها الامنية هما السقف والا لما شهدنا هذا الاستقرار وهذا الاجماع وهذا الوضع الامني الممتاز الذي يخيّم الآن وان يكن هناك بعض عمليات الخطف لكنها انحسرت واعتقد انه لا عودة بعد اليوم الى الوراء كما اعلن قائد الجيش من لندن.

*ولكن هل كان الجيش قادرا على لعب هذا الدور لو لم يتم رفع الغطاء عن كل المخلين بالامن في الضاحية وفي غيرها من المناطق؟
لم يكن الامر امنا بالتراضي انما كان هناك تركيز من الرئيس بري والسيد نصرالله على ادخال الجيش الى الضاحية حتى يعلم الجميع انه لم يكن هناك غطاء على هؤلاء الذين قاموا بقتل الضباط وبترويع الناس والخطف وللاسف كان هناك كلام يجافي الواقع عندما اشيع عن احتضان للمجالس العسكرية للعشائر، فهذا الموضوع يحرق الاصابع ويحرق الامن لذلك هناك نأي بالنفس عن كل الذين يسببون المشاكل وعن كل الذين لا يعاقبون من قبل الدولة.

*هل تعتقدون ان خطف اللبنانيين الـ 11 في سورية محاولة لتوريط حزب الله بالازمة السورية وكيف سيتم اقفال هذا الملف؟
هناك تواصل روحي بين مزاراتنا وائمتنا في العراق وايران وسورية، والمخطوفون كانوا في رحلة حج ولم يكن في حوزتهم سلاح ولكن كان الهدف من خطفهم تفجير فتنة سنية شيعية "لا سمح الله". فهناك محاولة انضاج فتنة من خلال عملية الاختطاف الا ان العقول الكبيرة تقوم دائما بافعال وطنية كبيرة، فبكلمة واحدة من الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله اخليت الساحات والطرقات وعاد الجميع الى منازلهم لوأد الفتنة التي كان يتم التحضير لها. واليوم نترك معالجة هذا الملف للدولة والمسؤولين ونشكر كل الذين يتحركون لاجل ايجاد خاتمة سعيدة ولكن على امل ان لا يكون بعد اجل بعيد كي لا يحدث اي مكروه ما ونعود لنقول يا ليت. كما نثني على ما تقوم به الاجهزة الامنية اللبنانية والزيارات المكوكية التي يقوم بها المسؤولون الى تركيا في محاولتهم لنسج حل ناعم ولين لانهاء الملف.

*كيف اقنعكم تصوّر الرئيس سليمان للاستراتيجية الدفاعية وما الدور الذي تراهنون على الرئيس ان يقوم به؟
الرئيس سليمان اخرج الاستراتيجية الدفاعية وسلاح المقاومة من المراوحة والانقسام وولادة مبادرته جاءت في اللحظة المناسبة وعلى الجميع ان يتعاطى مع الاستراتيجية الدفاعية من منطلق وطني وواع، وتصوّر الرئيس يراعي الحاجة الى الجيش اللبناني والى المقاومة وسلاحها والى الشعب الذي يجب ان يشكل البيئة الحاضنة. ونذكر ان اول موقع خدم به فخامة الرئيس عندما كان في رتبة ملازم كان في الجنوب، وفي العام 2006 زار الجنوب اثر عدوان تموز قائدا للجيش وكان في موقفه شجاعة لا توصف، وعندما يقدم تصورا لاستراتيجية دفاعية انما يخرجه كضابط وكقائد وكرئيس لكل لبنان يرعى طاولة الحوار. ولكن نعتبر ان هذه الاستراتيجية ليست منزهة او منزلة انزالا انما خاضعة دائما للبحث والتوافق طالما ان الجميع يعتبر اننا بحاجة ماسة الى بلورة صيغة دفاعية فاعلة بحيث تبقي على مصادر القوة في الموقف اللبناني بعدما كانت اسرائيل تستبيحه صباحا ومساء وتعتدي عليه.

*كيف علاقتكم بحزب الله خصوصا بعد الخلاف بينكم على الاسم الشيعي في الهيئة الناظمة لقطاع النفط؟
هناك اتفاق تام بين حزب الله وحركة امل على الاسم الشيعي في هيئة تنظيم قطاع النفط ولكن ربما اراد البعض ان يبرّر التأخير في تشكيل اللجنة من خلال العمل على خلق خلاف بين الطرفين حول التسمية الا ان كلا من حزب الله وامل نفيا اي خلاف حول الموضوع نفيا قاطعا.
وموضوع النفط هو موضوع وطني ورأسمال وطني، وهو الذي سيحوّل لبنان الى دولة نفطية لها شأن والابحاث تؤكد ان الكميات الموجودة في المياه الاقليمية اللبنانية تفوق بكثير تلك الموجودة في المياه الاقليمية الفلسطينية التي تغتصبها اسرائيل.
وفيما يقف لبنان على شفير الافلاس ويعجز عن تأمين مصادر تمويل سلسلة الرتب والرواتب ويهاجر شبابه، فهل يلام الرئيس بري على الحاحه في ملف النفط؟ فلولا ضجيج بري بخطاباته حول الليطاني الذي يذهب منسابا بالم الى البحر منذ مئات السنين لما كان لُزِّم المشروع ولم يكن ليكترث احد لمشروع وضعت خرائطه منذ 50 عاما. والدور نفسه هو الذي يلعبه اليوم في ضغطه للاستفادة من ثروات لبنان النفطية، التي سيتحول معها لبنان من بلد مدين الى بلد غني. فهل يجوز لانسان عاقل ووطني ان يعمد الى التأخير في استثمار هذه النعمة خصوصا اذا ما اخذنا في الاعتبار ان اسرائيل سقت ترابا من سهل الخيام وآثارا من صور فكيف بها في النفط؟ ولكن هناك حلقة مفقودة على ما يبدو.

هل هذه الحكومة لا تزال قادرة على الاستمرار وان تشرف على الانتخابات؟
نلمس اشادة دولية بالحكومة رغم ادائها في بعض الملفات بحيث تعمد الى تأجيل استحقاقات والى اطلاق قنابل دخانية ولكن رغم كل التعقيدات والجزر والمربعات الوزارية داخلها، يبقى الكحل افضل من العمى خصوصا في ظل غياب بديل عنها في الوقت الراهن. الا ان هذه الحكومة، التي نعيت من قبل فريق 14 آذار قبل اعلانها البيان الوزاري، دفنت احلام الكثيرين وهي باقية والرئيس نجيب ميقاتي استطاع ان يقدّم نفسه كرئيس رغم وقوفه على رمال متحركة.  

السابق
رمـزي دونجـوان هوليـوود الشـرق
التالي
جوزف عطية: أحببت امرأة تكبرني