علاقات واشنطن بالعرب على وقع الاحتجاجات

في ختام اكثر من عشرة ايام على تظاهرات عمت عددا من الدول الاسلامية في المنطقة وخارجها على الفيلم المسيء الى الاسلام والذي اعاد تظهير معاداة بعض المجتمعات والشعوب العربية للولايات المتحدة الاميركية في شكل خاص، ينتظر كثر ما سيعلنه الرئيس الاميركي باراك اوباما في خطابه المرتقب امام الجمعية العمومية للأمم المتحدة ومقاربته للعلاقات بالدول الاسلامية عشية موعد الانتخابات الرئاسية انطلاقا من مقاربة كان قدمها للشعوب العربية بعيد انتخابه قبل اربعة اعوام في زيارته الأولى للقاهرة. ويتصل الموقف المرتقب من جهة بالانتخابات وامكان توظيف موضوع الفيلم وتداعياته لمصلحة أوباما او ضده ان اظهر مرونة او العكس وفق ما تقول مصادر متابعة، ويتصل من جهة اخرى بطبيعة العلاقات بين اميركا وانظمة الدول الاسلامية الناشئة على وقع ثورات الربيع العربي. اذ ان ثمة اسئلة طرحت عن امكان تأثر العلاقات الاميركية بدول الربيع العربي بعد الفيلم المسيء وردود الفعل عليه مع استعار المشاعر العدائية ضد واشنطن على رغم ما بدا توظيفا جيدا بدأته الادارة الاميركية مع الانظمة الجديدة من خلال سرعة تخليها عن حلفائها الديكتاتوريين وتشجيعها الدول على التغيير بما فيه تسلم الاخوان المسلمين السلطة ديموقراطيا عبر الانتخابات.

وتعدد هذه المصادر جملة عوامل لا تزال تعتقد انها تعمل لمصلحة الولايات المتحدة وان كانت اتهامات سياسية واعلامية في الولايات المتحدة توجه الى الادارة الاميركية في "قيادتها من خلف" في موضوع الثورات العربية، خصوصا بالنسبة الى سوريا او تأثير ضعفها وتراجعها في المنطقة، مما سمح باستسهال الانقضاض عليها. من هذه العوامل ان هناك تفهما اراديا لما تعتبره الدول الغربية عموما مخاضا تمر به دول المنطقة، وهو مخاض لا يزال يجري وان كانت انتهت فصول منه في مصر او في ليبيا او اليمن او تونس. وهذا التفهم مبني على واقع ان الامور لا يمكن ان تستتب بين ليلة وضحاها او في غضون اشهر قليلة، خصوصا ان الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في هذه الدول متردية جدا وان عودة الانتظام السياسي شيئا فشيئا لا يكفل توفير مقومات الحياة المقبولة لدى هذه الشعوب. اذ ان دولا في اوروبا الشرقية سابقا شهدت ثورات قبل عشرين عاما وانتقلت من انظمة ديكتاتورية الى ديموقراطيات مدعومة من الغرب لا تزال بعيدة جدا من تحقيق التقدم المطلوب نحو استعادة الحرية ودولة الحقوق. ونظرا الى مصالحها الحيوية تضطر الولايات المتحدة الى التكيف مثلما فعلت حتى الآن من دون تخليها عن ممارسة الضغوط اللازمة لمتابعة المحافظة على مصالحها الحيوية.

من هذه العوامل ما يستند الى ما شهدته ليبيا في اعقاب مقتل السفير الاميركي لديها في اعمال عنف ساهمت في تسعير اعمال عدائية في عدد من دول المنطقة، من محاولة تطهير جديدة للعناصر السلفية المتطرفة بعد اعتذار شديد قدمته ليبيا عما حصل. وكذلك الامر بالنسبة الى مصر التي هدأت حكومتها من وطأة الغليان الذي اعقب بث الفيلم والغت تظاهرة مليونية كانت ستستهدف الولايات المتحدة ايضا في ظل تصريحات للرئيس المصري محمد مرسي اخذت في الاعتبار اهمية المساعدات الاميركية لمصر على نحو يعيد المشهد مع ما كانت الرئاسة المصرية السابقة ستعمل عليه ازاء تحديات مماثلة. ويسري الوضع ايضا على دول اخرى كاليمن الذي يستعد رئيسه لجولة على الدول الغربية من بينها الولايات المتحدة.

يضاف الى ذلك توافر عامل لا يقل اهمية هو استمرار تمتع الغرب والولايات المتحدة بافضلية على روسيا مثلا في الظروف الراهنة في المنطقة. اذ ان روسيا التي ادلى مسؤولوها بتصريحات منتقدة للولايات المتحدة عقب الاحتجاجات الصاخبة في دول الربيع العربي لا تستطيع ان توظف الاتجاهات الشعبية العربية العدائية ضد اميركا لمصلحتها كما كان يحصل في السابق. ويعود ذلك الى حال الفتور القائمة بين روسيا والدول العربية على خلفية الموقف الروسي الداعم باستمرار لبقاء الرئيس السوري بشار الاسد في السلطة. ففي حوار اجراه مسؤولون سياسيون اخيرا مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في هذا الاطار اثير موضوع الاحتجاجات في العالم العربي والتي لم تستطع روسيا النفاذ من خلالها من اجل تحسين موقعها لدى الدول العربية على رغم رأسمالها الكبير سابقا لدى شعوب المنطقة وفي ضوء استيقاظ مشاعر العداء للولايات المتحدة على رغم مساعدتها دول الربيع العربي. وقال لافروف ان العالم العربي لا يفهم الموقف الروسي مما يجري في المنطقة وان بلاده على عكس الاميركيين الذين يتدخلون تحت عناوين حماية المدنيين وما شابه متمسكة بمبدأ عدم التدخل في الدول ذات السيادة، وان موقفها هذا غير قابل للتفاوض. وعرض تاريخ دعم روسيا للقضية الفلسطينية متسائلا ماذا تستطيع بلاده ان تفعل من اجل تحسين علاقاتها بدول المنطقة وشعوبها وتحسين صورتها، فكان جواب محدثيه ان عليها التخلي عن بشار الاسد والتوقف عن دعم مواجهته العسكرية ضد شعبه نظرا الى النقمة العربية العارمة ضد الرئيس السوري.  

السابق
سليمان يُحاول تشليح حزب الله ورقتين
التالي
قضية سيادية