سليمان يُحاول تشليح حزب الله ورقتين

حاول رئيس الجمهورية ميشال سليمان المزاوجة في تصوّره للاستراتيجية الوطنية للدفاع بين إبقاء السلاح بيَد «حزب الله» وبين جعل أمرته بتصرّف الجيش اللبناني.

فورقة الرئيس بهذا المعنى تكتية – مرحلية، والهدف منها محاولة تجنيب لبنان أيّ حرب إقليمية يدخلها "حزب الله" بطلب إيراني، إذ إنّ وضع قرار استخدام السلاح بيَد الجيش يعني إنهاء البُعد الخارجي للحزب وتحويل مهمته صَرف لبنانية، خصوصا في ظل تصاعد وتيرة المواقف الإيرانية مؤخراً التي تجاهر برَدّ الحزب على أي ضربة إسرائيلية لطهران، فضلاً عن أن الحزب نفسه لم يَنف يوما مصدر تسليحه وتمويله وحتى تفكيره، الأمر الذي يجعل قراره مرتهناً للنظام الإيراني.

يعتقد الرئيس سليمان أن بوسعه مقاربة قضية السلاح على مراحل، شأنه في ذلك شأن النائب وليد جنبلاط الذي أعلن بعد انتهاء الجلسة الحوارية أن هذه المسألة تتطلب ردحاً من الزمن على غرار ما جرى في إيرلندا، وبالتالي يفترض تجزأتها للانطلاق من أرضية مشتركة معينة تفضي إلى حصر الأضرار في مرحلة أولى، ومن ثم يُصار إلى تطويرها على مراحل.

لقد فات رئيس الجمهورية، ربما، أن الدكتور سمير جعجع تقدم بطرح مماثل لطرحه مع اختلاف الموقع واللحظة السياسية، وأن رد "حزب الله" في الأمس واليوم هو نفسه، ومفاده أن الدولة العاجزة عن إقرار الموازنة وحلّ ملف المياومين والحدّ من الفلتان ليس بإمكانها أن تتولى قضية بحجم التصدّي لإسرائيل.

كما أن مواقف أركان الحزب، وفي طليعتهم السيد حسن نصرالله، تجاوزت مبدأ البحث عن استراتيجية دفاعية، داعية إلى وضع استراتيجية هجومية. علماً أنّ أركان الحزب لا يترددون في الكلام عن تدمير إسرائيل، وأن الحزب باستطاعته تحويل حياة الإسرائيليين إلى جحيم، كما أن مشروعه السياسي هو مشروع إسلامي جهادي…

ولكن لا بأس في أن يسمع سليمان ردّ الحزب على طرحه، أو محاولة حَشره مرة إضافية ليعلن بالفم الملآن، وهذا أمر محسوم، رفضه التخلي عن إمرة السلاح ووضعه بتصرّف الجيش، ليس بالتأكيد انطلاقا من الذرائع المَمجوجة التي يلجأ إليها باستمرار، إنما ربطاً بدوره الإقليمي وكونه ذراعاً إيرانية أو جزءاً لا يتجزأ من الحرس الثوري الإيراني، فضلاً عن أن هذا الحزب الذي لم يكترث لاتفاقي الطائف والدوحة، لن يسلم قراره لهيئة سياسية محلية.

لا شك أنّ التزام "حزب الله" بأجندة لبنانية يعتبر خطوة متقدمة ولو كان سلاحه غير شرعي ويشكّل انتهاكا للسيادة الوطنية وانتقاصاً لحضور الدولة وهيبتها، لأنّ مشروع سليمان يؤدي عملياً إلى "تَشليحه" ورقتين: ورقة استخدامه ضد إسرائيل لحساب إيران، وورقة استخدامه في الداخل للهيمنة على القرار السياسي. وبالتالي، المطلوب من رئيس الجمهورية الذهاب إلى النهاية في تصوّره ووَضع النقاط على الحروف والإعلان جهاراً أن الحزب رفض وَضع أمرة سلاحه بيد الدولة.

وقد تكون هذه المناورة مفهومة ومبررة من أجل الضغط على "حزب الله" وحَشره وكشفه، إلّا أنه لم يكن رئيس الجمهورية مضطراً للقيام بهذا الدور، بل كان من الأنسَب أن يطلب من فريق سياسي قريب منه تقديم هذا التصوّر وأن يُدلي برأيه فيه، لا لشيء إلّا لكَون رئيس الجمهورية هو "رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن ويسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه". وبالتالي، لا يصحّ إعطاء إشارة تنازل أو تراخ بتطبيق الدستور، خصوصاً أن لا شيء اسمه سلاح "حزب الله" في اتفاق الطائف.

فالرئيس الياس سركيس، على سبيل المثال، لم يتمكن بفِعل العوامل الخارجية والداخلية من بسط سلطة الدولة على أراضيها، ولكنه لم يتنازل في المقابل عن أيّ بند سيادي يستخدمه الطرف الآخر لتحويل الوضع الشاذ والمؤقت إلى وضع دائم، خصوصاً أن ما ورد في تصوّر سليمان لجهة أنه "حتى تزويد الجيش بالقوّة الملائمة للقيام بمهماته…" لا يدعو للارتياح، لأن لُبّ المشكلة يكمن في هذه النقطة تحديدا، حيث أن الحزب سيبقى يتذرّع إلى ما لا نهاية بعدم قدرة الجيش على مواجهة إسرائيل.

ولعلّ كل ما تقدم في واد وتوقيت الورقة في واد آخر، إذ إن وضع "حزب الله" بعد سقوط النظام السوري لن يكون كما قبله، ولذلك من الأجدى المماطلة إلى ما بعد هذا التحوّل التاريخي، حيث سيكون ثمّة كلام آخر…

ويبقى أن نظرية معالجة سلاح "حزب الله" على مراحل ليست صحيحة، فهذا السلاح يا "بيحِطّ" يا "بينِطّ"، بمعنى أن هذا السلاح ليس لبنانياً، وهو ناتج عن معادلة إقليمية. وبالتالي، فإنّ استمرارها يعني استمراره، وزوالها يعني زواله…  

السابق
الملف الأمني على مصراعيه
التالي
علاقات واشنطن بالعرب على وقع الاحتجاجات