اغتيال عون الرسالة وصلت إلى الفاتيكان

رغم المكابرة التي أبدتها جهات سياسية وأمنية في لبنان بشأن المعلومات المتداولة عن إمكان حصول اغتيالات لمراجع سياسية لبنانية لـ«افتقارها إلى مستمسك مادي»، إلا أن رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، ظل ينبّه خلال الأشهر الماضية إلى وجود مشروع لإحداث فتنة في لبنان، تبدأ شرارتها بحدوث عملية اغتيال كبيرة

طيلة أيام زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر للبنان، وضع كثيرون من المتابعين لهذا الملف أيديهم على قلوبهم خشية وقوع حادث اغتيال كبير. وفي الوقت الذي كانت تجرى فيه الاستعدادات لوداعه في المطار، شاعت معلومات بين محافل دبلوماسية، بأن الزيارة في ربع الساعة الأخير منها، ستشهد حدثاً أمنياً كبيراً، يدخل لبنان في نفق مظلم.
سافر البابا، ولم يحدث شيء. لكن الآن، وبعد محاولة اغتيال رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، صار ممكناً طرح السؤال على نحو استدراكي: هل كان اغتيال عون هو الذي قصدته المعلومات عندما تحدثت قبل ساعات من مغادرة البابا، عن حصول حدث أمني كبير خلال توديعه.
تجدر الإشارة إلى أن الدافع من وراء توقع حدوث الاغتيال لدى مغادرة البابا «اغتيال مفاعيل الزيارة، وتوجيه رسالة معاكسة لمنطقها السياسي».
وفي الأساس، فإن قرار زيارة البابا ظل حتى فترة وجيزة من وصوله إلى مطار بيروت محل نقاش كثيف داخل الفاتيكان، وذلك على خلفية وجود المنسوب العالي من خطر التعرض لحياته في أثنائها. وسبب هذا الخوف، هو أن هناك قوى فاعلة في المنطقة والعالم، تعتقد بأن الزيارة تسيء الى الجهد المبذول لإسقاط النظام السوري، كونها ستسلط الضوء على قلق مسيحيي الشرق جراء ما يلحق بهم من أذى نتيجة أحداث «الربيع العربي»، بينما المطلوب أن يتركز الضوء كله على مقولة أن كل أطياف الشعب السوري ضحية استمرار الرئيس بشار الأسد في السلطة.
وتؤكد مصادر مطلعة أن حسم موضوع الزيارة لم يكن بسبب تيقنه من أن البابا لن يتعرض لمحاولة اغتيال، بل لأن الأخير أصرّ على حصولها مهما كانت المخاطر، تنفيذاً لوصية القديسين عن «أن الراعي يكون مع رعيته في الأوقات الصعبة».

«هندسة» محاولة الاغتيال

ثمة ميل إلى الاعتقاد لدى الأوساط القريبة من الكواليس التي شاركت في زيارة البابا، أن محاولة اغتيال العماد عون تمت هندستها بالشكل والمضمون، لتخدم هدف اغتيال الرسالة التي طيّرتها للعالم زيارة البابا للبنان حول تنبيهه الى أن مسيحيي الشرق في خطر، وأن الثورات العربية تنحرف عن أجندتها، بالنظر الى بروز مشاريع دينية متطرفة ومسلحة، هي الأقوى، بين صفوفها.
في الشكل، اكتفي بإطلاق النار على موكب عون من دون قتله. أما في المضمون، فإن الرسالة المطلوب إيصالها تتعلق بأن استهداف الزعيم المسيحي عون، يأتي لكونه حليفاً للنظام السوري، وعليه فإن مسيحيي المشرق يستهدفهم محيطهم المسلم، عندما تعلق بهم هذه «التهمة».
ولا شك أنه يجري التدقيق في معنى هذه «الرسالة»، في كل من الفاتيكان وبكركي. والاعتبارات التفصيلية التي تطرح نفسها، من خلال استقرائها، عديدة، أولها أن الصلة الناشئة بين زيارة البابا، وبين مقاربة الفاتيكان لظهور تأثيرات مقلقة للثورات العربية على الوجود المسيحي في الشرق، ليست مقبولة من الإسلام السياسي بكل أطيافه في المنطقة. ثانيها، أن غصن الزيتون الذي قدمه البابا خلال زيارته، لضمان استمرار «التعايش في المشرق»، ناقص، لأن المطلوب لحمايته هو انخراط المسيحيين في جهود إسقاط النظام السوري. أما ثالثها، فهو ما تشير إليه بفجاجة، رمزية محاولة الاغتيال لرئيس كتلة الأغلبية النيابية المسيحية في لبنان، إذ جرت بعد أيام قليلة من احتفالية توقيع السينودس، ومن مشاهد الوحدة الإسلامية ـــ المسيحية اللبنانية احتفاءً بالبابا.
وهذا ما يدلل على أن محاولة الاغتيال أرادت إنهاء كل هذه المفاعيل لزيارة البابا، وإظهارها غير قادرة على الصمود أمام واقع الحال القائم في المشرق. وأن المطلوب «توحيد الاجتماع المشرقي» ضد نظام الرئيس بشار الأسد، وأنه خارج هذا «التوحد المشروط» المنقاد من الإسلام السياسي الصاعد، لا أمن للمسيحيين فيه.
ومثل هذه الرسائل، باعتباراتها الثلاثة الآنفة، لن تشكل صدمة لمحافل الفاتيكان أو بكركي، فكلاهما كانت قد وصلت إليهما، على نحو مبكر من هذا العام، مؤشرات واضحة عن غضب كل المكون السياسي والديني الإسلامي وحتى المتصف بالاعتدال، من مقاربتهما المعتمدة. وأبرز واقعة على هذا الصعيد، تمثلت بتعذر لقاء البطريرك الماروني بشارة الراعي، خلال زيارته مصر قبل أشهر، مع شيخ الأزهر. وقد نقل عن الأخير قوله، إن الراعي لم يطلب موعداً، ولكنه حتى لو كان طلبه فإنني كنت سأتردد بتحديده، بعد كلامه عن مشاكل تواجه المسيحيين الأقباط في ظل التغيير الناشئ في مصر.
وتقول مصادر مقربة من الأزهر إن الأخير، وبتشجيع من ثقل الإخوان المسلمين المستجد في داخله، قرر عدم المبادرة إلى عقد أي مؤتمر حواري إسلامي ـــ مسيحي على مستوى المنطقة، إلا إذا ضمن أن أوراق أعماله ستجيب بوضوح ومن دون مواربة عن السبب الذي يؤدي الى حدوث مشاكل في العلاقة بين الطرفين. بمعنى آخر، فإن أجندة الحوار من الآن فصاعداً تحتم على الطرف المسيحي الاعتراف بأخطائه، وأبرزها إظهاره القلق على مستقبله في ظل حكم إسلامي.
والواقع أن سقف هذا التوجه في جعل الواقع المسيحي في الشرق أمام خيارات جديدة، توجد في واشنطن. وخلال زيارة قامت بها قبل أشهر شخصية مسيحية لبنانية لواشنطن، لاستكشاف نظرتها إلى مستقبل مسيحيي الشرق في ظل الربيع العربي. عادت الشخصية من هناك بإجابة واضحة، وهي أن واشنطن ترى أن أهمية إسقاط النظام السوري ومن خلال ذلك ضرب المحور الإيراني في المشرق، هي أهم وأكبر من هدف عنايتنا بالأقليات، فحتى لو هجر أربعة أو خمسة ملايين مسيحي من المشرق، فهذا لن يكون سوى ثمن زهيد، بمقابل إسقاط الأسد. والحل الوحيد هو أن ينخرط مسيحيو المشرق مع الثورة على الأسد، فربما تكون حينها الكلفة أقل عليهم!  

السابق
مـاذا دار في الغذاء الامني بيـن بـري وقهـوجـي؟
التالي
الدولة.. في الاستراتيجية الدفاعية؟